Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

الدبلوماسية الشعبية أقصر الطرق لقلوب الآخرين

A A
بمجهود لم يستغرق خمس دقائق، استطاع المبتعث السعودي للدراسة في بريطانيا، تركي الشمري، تقديم صورة ناصعة عن بلادنا، وجعلها في صدارة نشرات الأخبار في العديد من الدول الأوروبية، وذلك عندما سارع لنجدة بريطاني شارف على الغرق في أحد الأنهار المحلية، وقام بمساعدته وسحبه إلى الخارج، منقذاً حياته، ومعيداً البسمة إلى شفاه زوجته التي كانت تراقب المشهد وهي تذرف الدموع، بلا حول منها ولا قوة.

القصة كما يرويها الشمري وقعت عندما كان يمارس هوايته المفضلة في إطعام الطيور في إحدى الحدائق ببقايا الخبز الذي يجمعه طوال الأسبوع، وفوجئ بامرأة تبكي وتطلب المساعدة لإنقاذ زوجها الذي خارت قواه داخل النهر وعجز عن السباحة، فلم يتردد البطل الشمري في النزول إلى النهر لمد يد العون للمستغيث، ومساعدته على الخروج إلى الشاطئ. مشيراً إلى أن ما فعله هو أمر طبيعي تفرضه طبيعة التربية التي نتلقاها في هذه البلاد الطيبة وقيم المروءة المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.

هذا الفعل العفوي الذي يفعله أي منا يمر بنفس الموقف تسبب في تسليط الضوء الإعلامي على المبتعثين السعوديين في المملكة المتحدة، حيث تسابقت وسائل الإعلام البريطاني في الثناء عليهم والإشادة بمروءتهم وشهامتهم، ورغبتهم الصادقة في التفاعل الإيجابي مع مجتمعاتهم الجديدة، وأنهم يحملون روحاً إيجابية، ويتمتعون بأرقى الصفات، ويمتازون بقيم النبل والأخلاق الرفيعة، كما تلقى الشمري العديد من اتصالات الشكر والهدايا.

مثل هذه الحوادث تسهم بصورة كبيرة في تأكيد الصورة الناصعة التي يحملها العالم عن الشعب السعودي، وتضيف لها أبعاداً إيجابية، لأنها أعمال تلامس الوجدان الشعبي للمجتمعات بصورة مباشرة لتترك آثاراً باقية، وهي تندرج ضمن ما بات يعرف باسم «الدبلوماسية الشعبية» ، وتؤدي في الآخر إلى تقديم صورة حضارية مشرقة عن بلادنا وديننا الإسلامي، وترد على المحاولات اليائسة التي يتبناها اليمين المتطرف لتصوير الإنسان العربي والمسلم على أنه انعزالي وإرهابي.

وقد ذكرت مرة في غير هذا الموقع أن مهمة طلابنا المبتعثين في الدول الأوروبية لا ينبغي أن تكون تحصيل العلوم والمعارف فقط، رغم أن هذا هو الهدف الرئيسي لهم، لكن هناك أدوار أخرى في غاية الأهمية يجب أن تنال حقها من الاهتمام، فهؤلاء الطلبة من خلال احتكاكهم المباشر بنظرائهم من أبناء الدول الغربية بإمكانهم إيضاح تفاعل الشعب السعودي وانفتاحه على الآخر، وإيمانه بالتسامح والتعايش، ورفضه لكل أشكال العزلة والانطواء، بما يمثل حائط صد منيعاً للأفكار السلبية المسبقة التي تحملها بعض المجتمعات الغربية عن العرب والمسلمين.

وإن كانت الدول تنفق مئات الملايين من الدولارات سنوياً على حملات العلاقات العامة لتحسين صورتها في الخارج، فإن ما قام به الشمري، ومن قبله ذيب اليامي وجاسر اليامي، المبتعثان في الولايات المتحدة واللذان استشهدا خلال محاولتهما إنقاذ طفلين من الغرق، ومشاركة مئات الأطباء المبتعثين في الغرب ضمن حملات التصدي لانتشار فيروس كورونا في بلدان دراستهم هو تجسيد لأرقى المشاعر الإنسانية، وهو ما يسهم في تكوين رأي عام إيجابي، ليس عن المملكة فحسب، بل عن جميع الدول العربية والإسلامية.

مثل هذه المواقف الإنسانية المؤثرة تجذب الإعلام الغربي الذي يسارع إلى نشرها وتسليط الضوء عليها، وكما ذكرت فإنها أقصر السبل الممكنة وأقلها تكلفة لتشكيل رأي عام إيجابي، لأنها تنشأ عن مواقف عفوية، بدون تخطيط مسبق، وتخاطب الوجدان الشعبي بصورة سريعة ومباشرة ودون الحاجة إلى أي وسيط، لذلك تعبر بمنتهى الصدق عن الأشخاص وتفاعلهم ومستوى أخلاقهم.

مجتمعنا ولله الحمد ترتفع فيه نسبة الخيرية، عطفاً على ما تربى عليه أفراده من عادات وتقاليد عربية حميدة، وما يتحلى به من قيم إسلامية فاضلة، تدعو لإكرام الجار والمروءة والشهامة والكرم ومساعدة المحتاجين، وهو ما تؤكده معطيات التعامل السعودي مع الآخرين، حيث اختارت المملكة حسن الجوار منطلقاً لسياساتها مع بقية الدول، دون تدخل في شؤونها. كذلك تثبت سجلات المملكة في المجال الإنساني ريادتها بعد أن صنفتها الأمم المتحدة في مقدمة دول العالم من حيث تقديم المساعدات الإنسانية والإسهام في تمويل منظمات الإغاثة والمساعدات الإنسانية.

شعب بمثل هذه الخصال الحميدة والسيرة الناصعة من الضروري أن يعكس صورته الزاهية للآخرين بمنتهى الوضوح، ليس من باب التباهي والتفاخر، إنما رداً على حملات التشكيك والإفك التي تقودها جهات مشبوهة مضللة لا تريد لبلادنا أن تنال المكانة التي تستحقها، لذلك ما دأبت تنشر أكاذيبها وافتراءاتها التي تحاول بها تزييف الحقائق وتغيير الواقع، فينبغي استخدام كافة الأدوات وكل أوراق القوة التي تعيننا على رد كيدها في نحرها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store