Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

يقول الناس إنك خنت عهدي!

A A
في مطلع رائعة الأمير الراحل عبدالله الفيصل، «ثورة الشك»، التي شدت بها أم كلثوم، يقول:

أكاد أشك في نفسي لأني أكاد أشك فيك وأنت مني.

في العلاقات الإنسانية، كثيراً ما يتحول الشك إلى غيمة كثيفة من خداع النفس، تحجب الرؤية الصافية في سماء العلاقة، أيا كانت؛ حباً، زواجاً، أو صداقة.

يتحول الشك إلى ضباب يطمس نور القلب، ويحجب استقبال الحقيقة، ويعيق البحث عن يقين يوقف نمو الشك في القلب والعقل.

يقول الأمير عبد الله الفيصل:

يقول الناس إنك خنت عهدي ولم تحفظ هواي ولم تصلني

يكذّب فيك كل الناس قلبي وتسمع فيك كل الناس أذني

وكم طافت عليَّ ظلالُ شك أقضَّت مضجعي واستعبدتني

كما أن الثقة في الآخر عندما تتضخم، تغلق منافذ الرؤية، وتقرب الآخر منك حد التماهي مع الذات فتلتبس الرؤية بين الشك واليقين، كما شرحتها الأبيات السابقة من قصيدة، «ثورة الشك».

اليقين، سطوع الحقيقة، أي لا مساحة ولو صغيرة يحتلها شك!

المشاعر ربما تترجم بشكل خاطئ، أي بإمكان الخائن أو المخادع الالتفاف عليها؛ فيُظهر غير ما يُبْطن، فيقع الآخر فريسة للشك في نضوج مشاعره والتباسها وقدرتها على تلقي الإشارات بوضوح!!.

لكن هل الحب يختلف عن العلاقات الإنسانية الأخرى، أي أنه دائماً يتجلى في صدق المشاعر بين الطرفين، أو كما نقول: «من القلب للقلب رسول»؟

أم أن القلوب لديها خاصية الاكتشاف المبكر لحالات الكذب والخيانة؟!

لا أحد يستطيع الإجابة عن تلك الأسئلة سوى العاشقين، لكن الإجابات ستكون متباينة تباين الحالة الوجدانية التي تنتاب كلاً منهم، وعلاقته بالآخر!

غادة السمان تجيب قائلة: مر بي كعابر سبيل.. ولا تقتلع أسواري

فأنا ياحبيب سواي.. أعرف جيداً.. أن بوسع رجل مثلك.. أن يخلفني.. مشتتة وممزقة.

أعلنت الشك منذ البداية، وأفصحت عن شكها بأن لديه حبيبة سواها، وأنها تعلم أنه يخدعها!

لكن عندما يخدع العاشق نفسه.. وينغمس في شك يصرف عنه يقين أحاسيسه وحواسه، دون اتخاذ موقف واضح كما فعلت غادة السمان، يصبح وضعه مأساوياً، وأقرب لحالة الجنون!.

الإنسان المصاب بالشك في كل من حوله، يختلف عن العاشق، لأنه فاقد الثقة في الآخرين، يصبح عبئاً على ذاته، فترتبك علاقته حتى مع ذاته، التي يجب أن يبني علاقة ثقة معها، يستبين مشاعره، ويتيقن من قدرته على استقبال الذبذبات، ومعرفة الآخر بدلاً من فقد المحبين المخلصين، وفقد تعاطفهم وصدق مشاعرهم، أي التصالح مع الذات، لكن في حالة العاشقين الأسهل والأفضل ترديد مقولة:»أكاد أشك في نفسي ولا أشك فيك»!

ربما البعض يكابر لحاجة في نفسه لا في نفس يعقوب؛ فسيدنا يعقوب عندما أمر أبناءه أن يدخلوا من أبواب متفرقة، لن يغني عنهم من الله شيئاً، بل لحاجة في نفسه يعلمها الله، ويعلم الله ما يجبر بعض النفوس على العيش في أتون الشك في النفس والمشاعر خوفاً من الحقيقة، رغم أنه يدركها بعقله وقلبه ومشاعره، لكن مشاعره الحميمة للآخر تقيد خطوه، وتعرقل جهره بالحقيقة، أو أن القلب يغمض عينيه عن رؤية الحقيقة!

هل الشك يقود دائماً إلى الحقيقة، أو أنه يساهم في تعقيد الحل؟

أم أنه حالة من الاستسلام والكذب على النفس، فلا يستطيع الإنسان اتخاذ قرار قاطع ناجع لفصم العلاقة والشفاء من حالة الشك!

لكن هل تظهر الحقيقة عندما يرحل الآخر أو يهجر أو يكشف سلوكه خداعه!

غادة السمان تقول:

الآن وقد تمت دورة الفراق أستطيع أن أحبك حقاً

لأنه صار بوسعي أن أراك حقاً

بعد أن أنجزنا معاً «قاموس الألم»، و»معجم الخطايا»

وابتعدت تماماً عن مرمى النظر!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store