Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

لماذا تقول الحقيقة ..؟!

A A
اشتغل العلماء والفلاسفة بالبحث عن الحقيقة منذ عرف التفكير والتأمل، لذلك لا تقرر بأن رأيك في فلان أو علان هو الحقيقة، أو أن رأيك في هذه القضية أو تلك هو الحقيقة، لأن بين الحقيقة والرأي فرقاً شاسعاً، ربما يمثل ما نقوله لإثبات الفرق بين الأشياء أو الأشخاص؛ بأن بينه وبين ذلك الأمر كما بين السماء والأرض!.

خمِّن أو قدِّر المسافة الشاسعة بين السماء والأرض، وبناء على ما خمَّنته أو قدَّرته يتضح لك؛ أن رأيك ليس هو الحقيقة، لأن الرأي يمثل تفكيرك أو منظورك الشخصي للأمور أو الأشخاص، لذلك يتم التمييز في الفلسفة التقليدية بين الحقيقة والرأي، بأن الحقيقة معرفة يقينية وموضوعية، أما الرأي فهو معرفة ذاتية ناقصة، أي أن الرأي اعتقاد يعوزه اليقين، في مقابل الحقيقة التي يفترض أنها يقينية ومبرهن عليها!.

ليس من باب التفلسف التطرق إلى الفرق بين الحقيقة والرأي، ولكن لأن قضية فرض الرأي في قضايا وأمور اجتماعية أو لها علاقة بالدين أو الممارسات الدينية، أو أفكار حول الأمراض أو علاجها، كما حدث خلال كورونا، وخلال مرحلة الاستعداد لأخذ اللقاح ضدها، سواء ما كان ينتشر في وسائل التواصل وفي المقالات أو ما يدور من أحاديث؛ هي مجرد آراء شخصية، أو هي مرادف للحس المشترك، أي الآراء المتداولة بين الناس، عندما يتم بثها ونشرها على أنها حقائق، تحدث هذا التشويش الذي أحدثه التشكيك أولاً في وجود فايروس خطير سريع الانتشار، حيث راجت في البداية فكرة أنه «خدعة»، أو «مؤامرة»، لضرب الاقتصاد، ثم راجت فكرة أنه مجرد « إنفلونزا»، لذلك تحرر الكثيرون من احترازاتهم، بينما الحقيقة التي أثبتها الواقع وبرهن عليها، أن الفايروس خطير، سريع الانتشار، لا يشبه الإنفلونزا إلا في الأعراض، كما أكد عليه الأطباء، وبناء على ما اتخذته كافة الدول من إجراءات!.

لنبتعد عن كوفيد -19 أو كورونا، فقد أنهكنا التفكير فيها، ولنتطرق إلى قضية البوح للآخرين برأيك في شكلهم أو عملهم أو إنتاجهم أو طريقتهم في الحياة مثلاً، باعتبار أن ما تقوله لهم هو الحقيقة وأنت تذكرها لهم محبة وصدقاً!.

كيف تكون متأكداً من صحة رأيك الشخصي، ومنظورك الخاص الذي كوّنته ربما نتيجة مشاعرك الخاصة التي ليست مرتكزاً علمياً لمعرفة الحقيقة، أو نتيجة ثقافتك أو بيئتك أو طريقة حياتك، أو ممارساتك، وكل تلك الأسباب لا تنتمي إلى مناهج البحث عن الحقيقة، بل هي أمور تكوينية لتفكيرك ومشاعرك وسلوكك الذي ليس مهماً لأن يتطابق مع الآخرين، كذلك ربما لا يتفق مع أمزجتهم وأفكارهم وحياتهم، لكنك بطريقة ما تعمد إلى محاولة فرضه عليهم بانتقادهم لأنهم

خالفوا رأيك في تلك التفاصيل أو بعضها!.

ربما لذلك يحدث التوتر بين الأصدقاء أو الأزواج، لأن أحدهم يقرر بأن رأيه في الآخر هو الحقيقة، ويفترض أن الآخر يتقبل رأيه لأنه حقيقة، وهو ليس كذلك!

الرأي لا يمثل الحقيقة، كذلك الرأي يجب أن يمثل مصداقية ما نفكر به ونقتنع به، كي يصل إلى الآخر في قالب من المحبة والحميمية التي تجعله يفكر فيه بعقله ووجدانه، لا يصبح عبئاً نفسياً على قلبه يحبطه أو يغضبه فتحدث الفجوة في العلاقة أو القطيعة، ثم تدعي أنك لم تقل له سوى الحقيقة!

الرأي عند الفيلسوف «باشلار»، دائماً على خطأ مادام أنه غير قابل للتبرير النظري العلمي ومادام أنه مرتبط بالحاجات والمنافع المباشرة ويعتمد على التلقائية والعفوية في تناوله للأمور.

لذلك لا ضرورة لأن نتصارع حول الآراء، ولا نصدق أنفسنا عندما نبوح لمن حولنا بآرائنا بأنها حقائق لا يمكن الاختلاف عليها، بل هي قابله للأخذ والرد والقبول والرفض، «يا دار ما دخلك شر»!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store