Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

شفرة ولاء المليشيات العربية لإيران

A A
لعل السؤال الذي ربما استعصت إجابته هو: ما السر وراء هذا الولاء (الطاغي) لإيران من قِبَل أفراد مليشياتها العربية؟ وهو الولاء الذي مهَّد لسيطرة إيران على أربع عواصم عربية بحسب تصريح حيدر مصلحي وزير الاستخبارات الإيرانية السابق. هناك من يُرجع العلة للإيمان التام عند مصدِّري الثورة الإيرانية بصوابية مشروعهم، فكان إصرارهم وجَلَدُهم دافعًا للمليشيات لمواصلة تماسكها وتمددها، ومنهم من يرجعها للإيمان الشديد لدى أتباع إيران -داخلها وخارجها- بالمعتقَد، لذلك يسترخصون في سبيله أرواحهم، ومنهم من يرجعها لما يحظى به أفراد تلك المليشيات من دعم مادي ومعنوي من قبل القائمِين على مشروع الثورة الإيرانية، ومنهم من يرجعها لصناعة إيران عدوًّا وهميًّا أمام مليشياتها هو (أمريكا-إسرائيل). كل ما سبق من تبريرات لها نصيب في العلة، لكنه نصيب لا يرقى لأن يكون هو حجر الأساس، ولا يمكن أن يصمد أمام الضغوطات التي تتعرض لها إيران ومليشياتها في الأراضي العربية. حالة الولاء والانقياد التام لإيران من قِبل المليشيات العربية التابعة لها، وحالة استرخاص الأرواح، وحالة الخروج من عباءات الحكومات العربية والارتماء في أحضان إيران أمر يدعو للتساؤل حقًّا، ولذا وقفتْ أمامها الدول العربية -وربما الغربية- وهي في منتهى الدهشة والاستغراب؛ إذ كيف يرضى عضو في جسد متماسك أن ينفصل عن أصله ويرتدَّ خنجرًا في خاصرته؟. العجيب أن الدول العربية لو حاولت (مجتمِعة) زراعة مليشيا (واحدة) في عمق إيران فلن يطول أمدها؛ كونها لن تسلك المسلك الذي تسلكه إيران وسيتضح بعد قليل. إذن، ما السر الخفي، والخيط الرفيع الذي أمسكت به إيران فأقام لها مليشيات هي بمثابة دول داخل دولها، كحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، والحشد الشعبي في العراق؟، هل هو المعتقد الديني؟ لا؛ فغالبية الدول لها معتقداتها، هل هو الدعم المادي؟ لا؛ فكل الدول تدعم خلاياها النائمة والمستيقظة. ما العلة إذن؟ هنا أعرض رأيي ولا أدعي صوابيته المطلقة، لكنني أراه الأقرب لإجابة السؤال، فأقول: لعل العلة تكمن في أن الراعي الرسمي للمليشيات العربية (إيران) لم يُطلق أحد مسؤوليه (كبيرًا أو صغيرًا) كلمة (إرهاب) على تلك المليشيات، ولا على ممارساتها، ولا على فرد من أفرادها، ولم يتعقبها، تحت أي ظرف، وتحت أي ضغط خارجي، مع أن ما تقوم به هو الإرهاب بعينه، وفي أوضح تجلياته. لا نعجب بعد ذلك أن نرى الولاء والطاعة والانقياد من تلك المليشيات وأفرادها لإيران؛ بل إن إيران وملاليها في حالة دفاع دائم، وتبرير مستمر لممارسات مليشياتها، بل ترى ممارسات تلك المليشيات واجبًا دينيًّا، وشرفًا يستحق (الشهادة) والإعجاب والإشادة!. هل يعني هذا أن تسلك الدول العربية مسلك إيران؛ فتزرع المليشيات ولا تصف ممارساتها بالإرهاب؟، العاقل لا يقول بذلك؛ وإنما كانت تلك إضاءة على (الشفرة الخفية) وراء ولاء المليشيات العربية المطلق لإيران، ووراء حالة الهيام والتبعية لها، وهو الأمر الذي حيَّر العرب فشرَّقوا وغرَّبوا بحثًا عن السبب والعلة الخفية، وحين تتجاسر إيران فتصف ممارسات مليشياتها العربية بـ(الإرهاب)، عندها -وعندها فقط- لن ترضى المليشيات بهذه الوصمة، وستتحول عن إيران، وربما تناصبها العداء. ولذا لا أعرف -حسب علمي- أن إيران أطلقت مسمى (إرهاب) على مليشياتها وأحزابها وأتباعها مهما كانت جرائمهم -حتى لو كانت قتل حجاج بيت الله عند بيته المعظم- ولم تتحول عن هذه الحال وتنقلب عليهم مهما كانت ضغوطات الدول الكبرى عليها، ولذا وثقوا فيها وشعروا معها بالأمان فقدموا لها الولاء التام، في حالة عجيبة حيَّرت المتابعِين. مسألة مشروعية هذا الفعل من خطئه، هذا أمر لا خلاف على خطئه وجُرمه وشناعته وأنه الإرهاب بعينه، إنما كان هذا اجتهادًا مني في بيان الشفرة وراء ولاء المليشيات العربية لإيران، وانفصالها عن جسد دولها ومعاداتها لها. وربما الشفرة نفسها تقف خلف ولاء الإخوان المسلمين لتركيا، مع الفارق في تمكينهم وإمكاناتهم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store