Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

قبــاب

A A
هي من نعم الله علينا للعديد من الأسباب ومنها خصائصها الهندسية الجميلة. سبحان الذي منحها الجمال والقوة الهائلة جداً بسبب توزيع أحمالها بطرق إعجازية. وإحدى أبسط الإثباتات على روائعها نجدها على رؤوسنا، وتحديداً فإن الجمجمة الآدمية هي من التحف الهندسية التي لا نعطيها حقها من التفكير، والتأمل، والإعجاب. جماجمنا خفيفة جداً نسبة إلى أحجامها، وبالتالي فأوزان رؤوسنا تعتبر منخفضة جداً نسبة إلى حجمها وقوتها. وتصميم الجمجمة لا يتطلب الدعائم الإنشائية الداخلية، وبالتالي فأدمغتنا مترابطة بيسر من الله عز وجل ليسمح بمرور الإشارات بسرعة وسلاسة.. لأكتب لك هذه الكلمات بأريحية، ولكي تقرأها وتستوعبها بسهولة بمشيئة الله. ولا تقتصر روائعها على أجسامنا، فسنجد العديد من القباب المهمة في مطابخنا.. وعلى رأسها بيض الدجاج فهو من المعجزات الإنشائية التي نراها ولا نشعر بعظمتها. قوتها هائلة، وشكلها في غاية الجمال، وهي أيضاً من روائع التغليف الذي يوفر الحماية في أفضل حلتها. وهناك المزيد في مطابخنا، ففضلاً تأمل في «الزبدية» التي تستخدمها يومياً، وستجد أنها من أروع التطبيقات على القباب الجميلة، فبالإضافة إلى محافظتها على الطاقة في الطعام الحار أو البارد، فهي تضيف الكثير لجمال محتواها بطرق حضارية سواء إذا كانت مهلبية، أو ألماسية، أو سلطة، أو فول، أو حساء.. وعشرات المأكولات الأخرى. وعلى سيرة الحضارة فلنترك المطابخ إلى المباني.. نجد أن القباب تشكل إحدى أساسيات العمران في حضارات الشرق والغرب، وبالذات في المباني الرسمية. وتتألق أشكالها في المباني الحكومية، والجامعات، والمحاكم، ودور البرلمانات. علماً بأن هناك العديد من المزايا للقباب التي تتعدى الجمال والقوة، ومنها على سبيل المثال أنها كانت تستخدم لإدارة الصوتيات سواء كان ذلك لنقل الصوت أو تعظيم آثاره. ومن أعظم القباب هي قبة مبنى «سانتا ماريا ديلي فيورى» أو «كاتدرائية القديسة ماريا صاحبة الورد» في فلورنسا للعبقري الإيطالي «برونو لزكي» وهي من أضخم القباب حيث يعادل قطرها طول حوالي تسع سيارات «لاند كروزر» وقمتها تعلو منشأة يفوق ارتفاعها الثلاثين طابقاً. والعجيب أن هذه القبة تم تشييدها عام 1434 باستخدام تقنيات بدائية غير مجربة ولكنها أثبتت أمانها ودقتها وقوتها عبر خمسمائة عام.

ومن العمران إلى الفضاء الخارجي حيث نجد إحدى أغرب القباب في التاريخ. في عام 1958 وفي بدايات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، تمت تجربة نظام أمريكي للحماية من الصواريخ الباليستية النووية بفكرة شبه جنونية. أطلق عليها اسم قبة «أرجوس» نسبة إلى مخلوق أسطوري يوناني له ألف عين للمراقبة الدائمة. واشتركت فيها القوات الجوية، والبحرية، ومجموعة أقمار صناعية، ووكالات عسكرية متفرقة، وآلاف العلماء. وكان أساسها هو تفجير قنابل نووية في الفضاء الخارجي تم إطلاقها من مجموعة بحرية ضخمة من جنوب المحيط الأطلسي بهدف إنشاء درع إشعاعي فوق الولايات المتحدة. واستخدمت الفكرة ظاهرة الغلاف المغناطيسي للكرة الأرضية وقدراته على الحفاظ على الإلكترونات الناتجة عن الانفجارات الهائلة وتكثيف تركيزها لحرق إلكترونيات أجهزة الصواريخ الموجهة وإبطال مفعولها. وكانت من أكبر التجارب العلمية في تاريخ البشرية. وللعلم فتختلف مبادئ تلك المنظومة عن القبة الحديدية الإسرائيلية للحماية من الصواريخ الباليستية والتي تتباهى بها القوات الصهيونية.

أمنيــة

هناك قبة أهم من كل ما ذكر أعلاه وهي قبة الصخرة في المسجد الأقصى وهي من أجمل قباب العالم، والمفروض أن تذكرنا اليوم وكل يوم بواقع القدس الذي يبحث عن الحلول العادلة. أتمنى أن نرى روائع القباب في كل مكان سواء كان على السفرة، أو في المباني، أو في الفضاء الخارجي، وكلها من نعم الله. وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store