Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيل بن حسن قاضي

مجلس الأمن.. «يالدانا لدانا»

شذرات

A A
عندما يمعنُ المرءُ في غالبية قرارات مجلس الأمن منذ أكثر من ثلاثة عقود، يشعرُ بخيبة أمل كبيرة في ما يُفترض من مؤسسة دولية ترعى أمنَ العالم.

كلنا نذكرُ ما صدر عن مجلس الأمن بشأن سوريا عام 2012م، حيث جاءت قراراتُه وكأنها تدعم أسلوبَ القتل والقمع والقهر، ولن ينسى المجتمعُ الدولي ما أقدمتْ عليه روسيا والصين، العضوان الدائمان في مجلس الأمن، اللذان ينتميان لمنظمة أقل ما توصف به أنها بئس المنظمةُ، وأي منظمة معادية لشعوب العالم؟!.

إن سجلَّ مجلسِ الأمن في نصرة الظالم له سوابق، تجلَّت بوضوح في فلسطين وفي البوسنة والهرسك وغيرهما، وبالتالي فإن أكبر مرجعية أمنية دولية قد أصابها اعتلالٌ كبير ينذرُ بمستقبل دولي غير محسوب العواقب.

في هذا السياق أذكرُ الأستاذ الجليل عبد العزيز الرفاعي يرحمه الله، وكنا نراقبُ معاً عبر المرناة نتائجَ اجتماعات مجلس الأمن بعد مجزرة حدثت في شرق أوروبا، وانتهت بالإدانة فقط، وهي إدانة مكررة للمرة الثالثة على التوالي في ثمانية أسابيع، فبعثَ رحمه الله بأبيات شعريةٍ لصحيفة المدينة نُشرت في عام 1413هـ، وهي:

مجلس الأمن «يالدانا لدانا»

قد كفانا لأنه قد أدانا

زغردي يا مزارعَ القتل والغصب

ورُدِّي للهاربين الأمانا

كم أدنَّا وكم شجبنا وكُنا

نصفَ قرنٍ نغادر الأوطانا

لغةٌ نحن مبدعوها.. ولكن

كيف بالله قد أجادوا لُغانا

إن قرارات مجلس الأمن منذ إنشائه يعتوِرها الكثير من القصور، وهو بحاجة ماسة لأجندة إصلاح في هيكله حتى يكون قادراً على مواجهة التحديات التي يبرز من بينها مواقف الدول الكبرى التي تتصرف وكأنها فوق القانون!!، مما جعل هذا المجلس يخرج عن سياق الأهداف الكبرى التي أنشئ من أجلها والمتجسدة في تحقيق السلام والاستقرار المستدامين في العالم، بافتراض أن «الأمم المتحدة هي قلبٌ لنظام أمني عالمي جديد» كما تم الإعلان حين إنشائها.

ولعل هذا الخلل الجاثم على صدر هيكلة المجلس حرَّض الدول دائمة العضوية على ممارسة «التنمُّر السياسي» على باقي الدول لغرض فرض أجندتها عليها ومن ثم ابتزازها من خلال خلق الأكاذيب وتزييف الحقائق، وليس تقرير الـ(CIA) الأخير الخاص بمقتل جمال خاشقجي والذي كان حافلاً بالدعاوى الظنية المفبركة إلا دليلاً على تجرؤ تلك الدول الدائمة على تلك المنظمة الدولية لقناعتها أنها في مأمن من مساءلتها!!.

لقد كانت المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي أبدت استعدادها للتعاون من أجل إصلاح المجلس وتطوير أساليب عمله وتغيير استخدام حق النقض ورفع مستوى الشفافية فيه والوصول الى حلول تمكِّن المجلس من أداء مهامه الأساسية بالشكل المأمول. كما كانت المملكة من أوائل الدول التي أعلنت دعمها توسيع عضوية المجلس بما يتناسب مع التمثيل الجغرافي.

ولعل إشراك أصوات دائمة جديدة من آسيا وأمريكا اللاتينية في المجلس سيؤدي الى مزيد من التمثيل الفعال لمواجهة فكرة العالم «ثنائي القطبية».

إن الإصلاح الهيكلي في مجلس الأمن هو استثمار طويل الأجل في أمن السياسة الدولية، وحين يتم ذلك سيصبح المجلس حقاً الحارس للسلم والأمن الدوليين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store