Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

دبــــوس

A A
المقصود هنا هو وصف إحدى آليات التجسس. ولو تأملت في أغربها، ستجد الطائرة الأمريكية الشهيرة باسم «إس آر 71». أطلقت عليها العديد من الأسماء وأهمها: «أوكس كارت» أو الحنطور.. وكان ذلك للتمويه.. و»بلاك بيرد» أو الطير الأسود باللغة الإنجليزية، أو «الهابو» بمعنى الثعبان الأسود باللغة اليابانية. قامت هذه الطائرة بأهم عمليات التجسس الجوي فوق العديد من البلدان في الشرق والغرب وأهمها أراضي الشقيقتين مصر وسوريا خلال حرب العاشر من رمضان 1393. وللعلم، فالمعتقد السائد أنها كانت تطير فوق الاتحاد السوفيتي والصين ليس صحيحاً فكانت تطير على أطرافهما. وكانت ولا تزال هي الأسرع في العالم إذ كانت تبلغ سرعة تحليقها ثلاثة أمثال سرعة الصوت.. ما يعادل حوالي ستين كلم في الدقيقة الواحدة على ارتفاع يفوق ثمانين ألف قدم. وكانت تستطيع أن تراقب وتصور مساحات تصل إلى حوالي ثلاثمائة ألف كيلومتر مربع في الساعة الواحدة. والغريب هنا هو أن بدأت في الخدمة قبل حوالي ستين سنة، وتم إحالتها على التقاعد قبل حوالي ثلاثين سنة، ولكنها لا زالت محتفظة بلقب أسرع طائرة في العالم بمحركات نفاثة غير صاروخية. واخترت لكم بعضاً من غرائبها: كانت من الطائرات الحربية الفريدة التي أنتجت في الوقت المحدد وتحت الميزانية المرصودة . أنتجتها وحدة خاصة ضمن شركة «لوكهيد» في ولاية كاليفورنيا في سرية تامة. وبسبب سرعتها الهائلة، اكتشف المصممون تحديات اختيار العناصر الملائمة لصناعة هيكلها. لم يكن الحديد الصلب مناسباً بسبب ثقل وزنه نسبياً، ولم يكن الألمونيوم مناسباً بسبب عدم تحمله للحرارة الشديدة بسبب احتكاك الطائرة بالهواء بسبب سرعتها.. وللعلم فكانت تصل حرارة سطحها إلى حوالي 250 درجة مئوية وهي تفوق أي طائرة إلى اليوم.. وتكفي تلك الحرارة لطبخ المطبق على بدن الطائرة. وكان الحل هو في استخدام عنصر «التايتنيوم» الذي لم يستخدم قبلاً في تصنيع أي طائرة، بل ولم يكن موجوداً بكميات وفيرة في الولايات المتحدة، وإنما كان متوفراً بكثرة في مناجم الاتحاد السوفيتي فتم استيراده من هناك وأخفوا الأسباب الحقيقية.. وفضلاً ملاحظة الطرفة التالية: أمريكا تتجسس على الاتحاد السوفيتي جواً، فتستورد عنصر «التايتنيوم» السوفيتي لتصنع طائرة التجسس. ومن الغرائب أيضاً أنه بالرغم أنها طائرة حربية، فلم يكن الزبون الأول هو القوات الجوية الأمريكية. كانت وكالة التجسس الأمريكية «سي أي إيه» هي الزبون الأساس، ولذا فكانت أسلحتها الأساسية هي الكاميرات وأجهزة الاستشعار. ومن الغرائب أيضاً أنها كانت أول طائرة «شبح» حقيقية فكانت مصممة ليصعب رصدها على الرادار مهما كانت حساسيته. وكانت أيضاً طائرة ذكية جدا بمعنى الكلمة: تم استخدام أنظمة ملاحة باستخدام نجوم السماء، واستخدمت تقنيات التوازن والتحكم للطيار الآلي المقتبسة من مركبات الفضاء. وأما محركاها فكانا في قمة الإبداع الهندسي لأنهما صمما لتوفير أعلى قوة دفع نسبة إلى وزنهما لأكثر من عشر ساعات متواصلة في ظروف بيئية صعبة. وبالرغم من تألق الطائرة التقني، إلا أنها كانت مكلفة جداً في الإنتاج والتشغيل.. كانت تحتاج إلى «حاشية» من طائرات الإمداد بالوقود جواً في كل رحلة، وتصل طلعات الصهرجة الجوية إلى سبع أو ثماني طلعات في المهمة الواحدة بطائرات من نوع خاص (كي سي 135 كيو)...وكانت «حاشيتها» تضم مئات الفنيين والمعدات المكلفة جداً، ولذا فتم تقاعدها في مطلع التسعينيات الميلادية.

أمنيـــة

كان هذا الدبوس مؤذياً بسبب عمليات التجسس الجوي خلال حرب العاشر من رمضان التي أدت إلى خسائر عربية كبيرة. واليوم أصبحت تقنيات المراقبة والتنصت وآليات الاستشعار الأخرى أقل تكلفة وأكثر انتشاراً، ولذا فمن المتوقع أن هناك زيادة هائلة في عدد الدبابيس التي تراقب الناس حول العالم بطرقها المختلفة سواء كانت بالعدسات، أو الميكروفونات، أو غيرها. أتمنى أن يقينا الله شرورها، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store