Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

متى تتوصل الدول الكبرى لمعادلة تعاون؟

A A
مازالت أميركا تملك أدوات متنوعة تجعلها في موقع قيادي في العالم. ولكنها تفقد بالتدرج بعضاً من هذا التفوق نتيجة لصعود العملاق الصيني. وتشمل عناصر القوة الأميركية كونها الاقتصاد الأول في العالم، حتى الآن، وترسانتها العسكرية هي الأولى عالمياً، وبها جامعات متفوقة ومراكز أبحاث عالية الجودة وثورة تكنولوجية متواصلة، وحيوية غير عادية في المراجعة والتطوير والتصحيح والتنقيح. ولكنها ابتليت مؤخراً بخلاف سياسي حاد قد يؤثر على قدرتها إدارة والاستفادة من أدوات تفوقها. يضاف الى ذلك ما يشكله الصعود الاقتصادي الصيني من تحديات للدور العالمي الذي تحاول واشنطن أن تلعبه على الساحة الدولية.

النشاط الديناميكي المتصاعد للصين بقيادة رئيسها، شي جين بينغ، على الساحة الدولية، يسبب إزعاجاً لواشنطن وتحدياً للدور الذي تسعى لأن تلعبه كقائدة أولى للعالم. وعليها أن تراجع موقفها، فيما إذا كانت ستواصل مجابهة والضغط على الصين أوالتفاهم معها للمشاركة في لعب الدور الرئيسي المحرك لاقتصاد العالم وتوجيه سياساته والتعاون في حل أزماته. وكانت أميركا قد سعت لإلحاق الصين بمنظمة التجارة العالمية اعتقاداً منها أن ذلك سيؤدي الى دخول هذه الدولة الكبيرة للنظام العالمي الليبرالي الذي تتزعمه أميركا ويسهل قيام تعاون فيما بين واشنطن وبيكين. إلا أن ما حدث هو استفادة الصين من الأنظمة المعمول بها ضمن المنظمة وتضخيم تجارتها والهيمنة على جزء كبير من التجارة العالمية إنما بالشروط الصينية وليس بشروط النظام العالمي الحر الذي كان الأميركيون يطمعون في أن يسود. وهذا وضع واشنطن وحلفاءها في موقف صعب للغاية.

حتى الآن فإن إدارة بايدن تتجه لمواصلة مواجهة الصين بقيود اقتصادية كما كان الحال مع الإدارة السابقة للرئيس دونالد ترمب، ويقومون بوضع قيود تضعف من اندفاع الاقتصاد الصيني نحو الأسواق الأميركية والغربية بشكل عام، وذلك عبر فرض ضرائب على البضائع المصنوعة في الصين، ووضع حدود لاستثمارات الصين في عدد من الصناعات عالية التقنية، ومنع الشركات الصينية الكبيرة، مثل هواوي، من السوق الأميركية ومن أسواق حلفاء أميركا. والمشكلة في هذا التوجه أن عدداً من حلفاء أميركا في أوربا وكذلك اليابان وأستراليا وغيرها مترددون في مجاراة واشنطن وتطبيق ما تسعى إليه، وإن كانت بريطانيا تبدي تجاوباً للتعاون مع أميركا. وهذه مصاعب تواجه الإدارة الديموقراطية الأميركية، ودفعت عدداً من المفكرين السياسيين الأميركيين الى مطالبة إدارة بايدن بالبحث عن سبيل آخر لمواجهة التهديد الاقتصادي الصيني وذلك عبر وضع قوعد للتعاون وليس المواجهة.

من الأخطاء التي يتحمس لها اليسار المتطرف بأميركا الذي يؤثر في سياسات إدارة بايدن الى حد ما، الإعلان عن رغبة واشنطن الانسحاب من الشرق الأوسط والانتقال الى دعم مواجهتها العسكرية للصين في آسيا. في حين أن تجربة انسحاب أميركي سابق في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما أدت الى حلول روسيا في سوريا وعدد من مناطق الشرق الأوسط محل الوجود أو النفوذ الأميركي المتقهقر، وانعكس ذلك على تزايد النفوذ الروسي وتوسعه في المنطقة.

الشرق الأوسط مهدد بالمزيد من الاضطراب وسط التنافس الجديد المتجدد لقوى كبرى ليكون لها دور في خيرات هذه المنطقة. وسيكون على دول المنطقة أن تكون حذرة في توجهاتها، وأن تركزعلى بناء داخلها ليتمكن من الصمود تجاه أي تطورات سلبية ستحدث نتيجة للتنافس الدولي فيها وعليها. وأمام عجز واضح عن أن يتمكن أي من الدول الكبرى الهيمنة على المسرح العالمي كما كان شراكة أيام القوتين السوفيتية والأميركية، أو القوة الأميركية عندما استفردت بالدور العالمي لوحدها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. وذلك الى أن تتمكن القوى الكبيرة من التوصل لمعادلة تعاون تعيد بناء نظام عالمى مقبول.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store