Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

شراكـات

A A
لو بحثت عن أجمل الشراكات فلن تجدها في عالم السيارات مثل «مرسيدس» و«بنز» للسيارات، و«رولز» و «رويس»، ولا في عالم الحواسيب مثل «هيوليت» و«باكارد» ، ولا عالم المأكولات مثل «باسكن» و «روبنز» للإيس كريم.. ولن تجدها في الزواج وهو أحد أرقى الشراكات. أجمل الشراكات هي في عالم زراعة الأعضاء البشرية والمقصود هنا هو نقل الكلى، أو الكبد، أو الرئة، أو القلب، أو القرنية، أو البنكرياس، أو الجلد وغيرها.. من إنسان حي أو متوفى لآخر بهدف المساهمة في تحسين صحته وحياته. وأعترض على مصطلح «التبرع بالأعضاء» لأن الموضوع يصبح وكأن فيه يداً عليا تتبرع.. وأخرى تتلقى، والصحيح هو أن الطرفين يجدان الفوائد الإنسانية العظيمة وعلى رأسها الثواب عند الله عز وجل، والمساهمة بتوفيقه في إنقاذ إنسان من المرض، والأذى، والمخاطر إلى بر الأمان والصحة. وفضلاً الملاحظة أن المرض بأشكاله وأنواعه يجعل الإنسان وحيداً منعزلاً في ألمه وضعفه مهما حاول أحبته أن يدعموه بالحب والرعاية. وأما عالم نقل الأعضاء فهو يجسد مشاركة فعالة نبيلة تسمو بالشراكة إلى أعلى مراتبها. وتاريخ نقل الأعضاء بنجاح بدأ في الأربعينيات الميلادية من خلال بوابة علم المناعة لمعالجة رفض الأعضاء في جسم المتلقى. ومن العجائب أنها بدأت بمجالات معالجة حروق طيار حربي على يد عالم الأحياء البريطاني اللبناني الأصل «بيتر مدوّر» في جامعة أكسفورد.. ثم في الولايات المتحدة على يد جراح التجميل الأمريكي «جوزف مرَي» لمعالجة حروق طيار أمريكي.. يعني جاءت من تخصصات لا علاقة مباشرة لها بنقل الأعضاء.. ومن معالجة حروق طيارين حربيين في نفس الوقت تقريبا. ولكن تلك الجهود أثمرت ففتحت أبواب النجاح، ولكن البدايات كانت صعبة فقد واجه الأطباء الأوائل صعوبات بالغة في عالمي الطب والرأي العام.. في بنسلفانيا في الولايات المتحدة، وباريس، وكامبريدج كانوا يخوضون معارك طبية واجتماعية شرسة.. أسماء مَرَي، وكالن، وستارزل، وبرنارد، كانت تتداول في بعض الأوساط كأبطال جراحة نقل الأعضاء الجديدة، وفي أوساط أخرى كأنهم «طرزانات». ولم تتحسن الصورة إلا بدخول تقنيات تقنين مناعة المستقبلين للأعضاء المزروعة لتقفز زراعة الأعضاء إلى المستوى المرموق الذي وصلت إليه اليوم. وفي العام الماضي تم اجراء حوالي أربعين ألف عملية زراعة أعضاء حول العالم. وفي المملكة بدأت تجربة نقل الأعضاء عام 1979 وأنجزت الكثير من النجاحات في مجال نقل الأعضاء التي يفوق عددها السبعة عشر ألفاً ومعظمها في نقل الكلى.. وتشمل أيضاً الكبد، والقرنية، والبنكرياس، وكلها من مصادر الفخر والاعتزاز.. وهناك بعض الجوانب التي لا تقل أهمية في روعتها وهي المشاركة الجميلة لآلاف الأصحاء للخوض في هذه التجربة النبيلة، علما بأن معظم مشاركات الأعضاء هي من الأحياء الأصحاء. جدير بالذكر أن المملكة تتميز بإحدى أعلى نسب نقل الأعضاء من الأحياء، ولكن إحدى أقل النسب من المتوفين. وهناك حاجة ماسة لبذل المزيد من الجهود في هذا المجال الإنساني المهم.

أمنيـــــة

هناك مقولة جميلة جداً مفادها أن مكانة الأمم لا تنعكس بمن تنتج من البشر، وإنما بمن تكرم. وقد صدر خلال هذا الشهر نظام نقل الأعضاء في وطننا الغالي، وهو يحرص على مفهوم الشراكة بين الطرفين في منظومة نقل الأعضاء، ويؤكد على التكريم اللائق للمشاركين بأعضائهم... وهناك أكثر من عشرين ألف إنسان في المملكة بانتظار الأعضاء نظراً لفشل أعضائهم. أتمنى أن نوفق في تطبيق هذا النظام الإنساني الجميل.. وربما نعيد تقويم استخدام مصطلح «التبرع» ليصبح المشاركة..

وأخيراً، فأحمد الله على شرف المشاركة بكليتي مع أحد أعز الأشخاص في حياتي منذ عام 1975 وأعتقد أن ذلك يجعلني ثاني أقدم مشارك حي بالأعضاء في المملكة بتوفيق الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store