Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مُهرِّج القمم العربية

ارتبطت الكراسي الرئاسية في ما يُسمى بالجمهوريات الديمقراطية في عالمنا العربي بالأشخاص أكثر من ارتباطها بالعمل المؤسسي المبني على الكفاءة والجدارة كأساس لكل عمل يمكن القيام به مهما عظمت مكانته أو صغ

A A

ارتبطت الكراسي الرئاسية في ما يُسمى بالجمهوريات الديمقراطية في عالمنا العربي بالأشخاص أكثر من ارتباطها بالعمل المؤسسي المبني على الكفاءة والجدارة كأساس لكل عمل يمكن القيام به مهما عظمت مكانته أو صغرت ؛ وهذا الارتباط السلبي ولَّد لدى الأجيال العربية المتعاقبة قناعة بأن الموت هو الخيار الوحيد الإجباري – بالطبع - الذي يُبعد فخامته عن كرسيه الوثير، متجاهلين أولئك الرؤساء أن السنوات الطويلة في ممارسة أي عمل كفيلة بإصدار حكم من الشعوب بانتهاء صلاحيتهم العملية نظراً لتدني مستوى أدائهم، وعدم مواءمة الأفكار التي تكتنزها أجندتهم لمتطلبات الواقع ؛ لأن السياسة مثلها مثل أي مجال تطاله التطورات فكرًا وممارسة. قادني للإطلالة السابقة الصور الذهنية التي تشكلت في مُخيلتي للرئيس الليبي معمر القذافي خلال رحلته في قيادة ليبيا إلى الهاوية ؛ فعُمر رئاسته لها بعمري الزمني الذي منذ تكوين وعييَ العقلي لم يحفل بغير صورته وهندامه الذي كان يلفت انتباهي ليس إعجاباً بقدر ما كان لغرابته وفوضوية ألوانه، وكلما تقدمتُ في السن كلما تكونت وجهة نظري الذاتية تجاه هذا الرجل الذي كنت استغرب نمط خطاباته التي كان يُلقيها في القمم العربية ، حيث كنت أشاهدها مغايرة لبقية خطابات القادة العرب ، فكل هذه الصورة جعلتني منشغلا بتحليل مثل هذه الشخصية غير المألوفة بالسلب – طبعاً – فقياساً على القول المأثور: الأقلام مغاريف العقول، فأقول إن الخطابات الطويلة التي كان يُلقيها وبأسلوب تهكمي جعلت من المتواجدين داخل تلك القاعات وبقية المشاهدين على امتداد خارطة الوطن العربي الجغرافية في حالة ضحك متواصلة لما تتقيأ به قريحته من مُفردات خارجة عن إطار الذوق العام ، وأفكار استفزازية ، وإدعاءات جوفاء لما يجب أن يكون عليه العرب ، ناهيك عن التطاول على بعض القادة؛ مما جعل القمم في حالة احتقان متنامية تجاه هذا الطرح غير المسئول ، كل هذه الممارسات السلبية تعكس عقلية مهووسة بجنون العظمة ، وتضخم للأنا أوصله إلى درجة الإلهام المزعوم الذي زرعه المُطبلون من حوله والمنتفعون من ثروات الشعب الليبي على حساب الشعب نفسه ؛ مما جعل حضوره للقمم العربية لا يتجاوز القيام بدور المُهرِّج الذي يُضفي نوعاً من المرح والنكتة عليها. إن الفاتح أو الزعيم أو ملك الملوك أو قائد الثورة إلى آخر الألقاب التي أُسقطت عليه من جوقته، إضافة إلى المسمى الرسمي لليبيا الذي تجاوز الحد المقبول لأي اسم دليل واضح على التعاطي غير الواعي مع المصلحة العليا الليبية ، كما أن زعيماً أكره شعبه المتمتع بالتنوع الفكري، وحصرها في سياق أفكاره الذاتية المتمثلة في مواد كتابه الأخضر دليل آخر على ترسيخ آفة حكم الرجل الواحد الذي تعمل على تكييف الدساتير الوضعية لتتماشى مع ميولهم الشخصية ، وتُحقق أهدافهم الذاتية. لقد عكس القذافي في معالجته لثورة الشعب الليبي صورة للخطاب القومي التعبوي الذي تلاشت ملامحه منذ زمن نتيجة لتراكم الوعي الجمعي الإيجابي، وفقدان المصداقية في غاياته الضمنية التي تُغلب مصلحة الفرد على حساب مصلحة العامة.Zaer21@gmail.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store