Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

إمبراطورية المسحراتية في مصر البهية.. من فؤاد للكردي!

A A
ظللت أشفق على الصائمين في القرى المجاورة، ثم في الإسكندرية والقاهرة، أولئك الذين لا يتوفر لهم «هنداوي»! وهنداوي هو مسحراتي قريتنا العم محمد هنداوي، ذو الطبلة الفريدة، والندهة العجيبة، والذي اختار لابنه البكر اسم «عيد»، ولم نكن نراه بالفعل إلا صباح يوم العيد!

تكتسى ندهة العم هنداوي بجدية واضحة وهو يوقظ «عم محمد أفندي»، قبل أن يمضي، على وقع صدى طبلته، فيما تشتعل البيوت بالحركة والبركة!، فلما بت ليلة رمضانية عند خالتي في «شما» تأكدت أن لديهم «هنداوي» آخر اسمه «المنوفي» فامتلأت فرحاً واطمئناناً على الصائمين!

وفي الزاوية الحمراء بالقاهرة، كنت أطل مع صديقي الحبيب «علي» الذي يفتقده الفقراء واليتامي في رمضان هذا العام، لنشاهد أجمل مهرجان! كان المسحراتي الكفيف يقود فرقة موسيقية تمضي على العمارات بالدفوف!.

والواقع أن إمبراطورية المسحراتية في مصر، وتحديداً في شعر العامية، مليئة بالرموز البهية، الذين يحفزون الناس على الصوم والصلاة لرب البرية!.

في صدارة الامبراطورية يقف فؤاد حداد، وكأنه يتحدث عني وهو يقول: مسحراتي وقلبي كان الدليل.. منقراتي في «الرملة» زي النخيل، والحي سامر، والنجوم «قناديل»! صحيح أن بيرم التونسي سبقه في تناول حال الصائمين، لكن حداداً يظل هو إمام المسحراتية في العامية المصرية!

لقد زاد من حلاوة سحور فؤاد حداد، هذا الملحن العبقري سيد مكاوي، بطبلته الشبيهة بطبلة العم «هنداوي»! يسرح الخيال مع صوت مكاوي: الرجل تحب ماطرح ما تحب.. وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال! حبيت ودبيت كما العاشق ليالي طوال.. وكل شبر وحته من بلدي، حته من كبدي، حته من موال! واصحي يا نايم اصحي! وحد الرزاق.. رمضان كريم!

مسحراتي قديم جديد.. منقرتي خفيف شديد.. فاتح مدارس السحور، وطبلتي طبلة الحضور.. خدت الثقافة على أساس، إن الثقافة كتب وناس.. قريت لطه وللحكيم، ولعم بيرم وللنديم..

لقد راح حداد المسحراتي ينشر القيم وينثر الفرح يحفز الهمم، ويغني للوطن..

وفي ليلة أخرى يقول: سهرت ورديتين والصبح وردية.. رجعت للبحر ألحان المراكبيه.. والزند شمر وزف الأرض والميه..من شط للتانى والعالم معديه، والقلب دقاته دقات الصنايعيه!

فلما اقتربت ليلة العيد، حيث الاستعداد للبسكويت والكعك، راح يقول: مسحراتى..منقراتى.. خالاتى عماتى سيداتى..على تلّ عجوه وعسل وسمن.. ولا مجلس المن سهرانين، لَتْ وعجن، يبنوا الهرم! قالت حماة المحترم، يا كعك يا سيد الكرم.. نبطلك فى المشمشِ، يا بنت قومى وفرفشي، لا تحوّشي و لا تختشي!، احمى الوابور، واستحمشي..اشي اشي، تلاقيه مشي..اشي نغبشي، واشي حبشي، واشي دندشي، واشي انقشي، واشي ينحشي، واشي رشرشي..سكر عليه، بركة ايديه، فرحة عينيه، قال ايه وايه..المشي طاب لى، والدق على طابلى..ناس كانوا قبلى، قالوا فى الأمثال: الرِّجل تدب مطرح ما تحب!

على أن ثنائية المسحراتى الشاعر والمسحراتي الملحن والمغني، لم تقتصر على فؤاد حداد، وسيد مكاوي، فقد ظهر ثنائي آخر لا يقل عظمة وروعة، حيث الشاعر النحيف أحمد فؤاد نجم، والملحن الكفيف الشيخ إمام

، وحيث حبلت الأيام سنين، ولدت الأيام دهور..دامت الايام لمين، وحِّدوا المولى الغفور.. صلّي ع اللي في القيامة يشفعك، واصحى ياللي نمت من اللي بيوجعك..واكشف اللي بيؤلمك وبيمنعك، وانده اللي لو ندهته يسمعك! قول يا جارة، قول يا جار.. مهما طال الليل وجار، كل جرم وله مدار.. والكواكب دوارين، وحّدوه يا مؤمنين!

صحّي نومك يا اسطى فكري يللي ناسي، هلّ يومك يا اسطى مرسي يللي راسي.. ياحبايب مصر يا اْهلي يا ناسي..اللي يعشق بالسهر حتما يقاسي!

وفي سحور ثوري صاخب يقول أحمد فؤاد نجم بصوت الشيخ إمام: اصحى يا مصر اصحى يا مصر! هزى هلالك، هاتى النصر! اصحى يا عامل مصر يا مجدع، وافهم دورك

ف الوردية، مهما بتتعب، مهما بتصنع، تعبك رايح، للحراميه! جهدك عملك، رزق عيالك، عرقك مرقك، ولا يهنا لك! اصحى يا عامل، غير حالك، صون المصنع، واصنع مصر!

اصحى يا زارع مصر الخضره، قدره وخضره، ونور وجمال، ابدر غيطك، واحمى البدره، ضد الافه، والاستغلال!.

قبل سنتين، وفيما كنت، استجيب لسنة أخي الأكبر في السحور في بيتنا الكبير، سألت عن طبق الفول، قبل أن تدق الطبول: مدمس مدمس في قلبي ملمس.. تعالى وغمس، تنول القبول.. ها قد ظهر ثنائي مسحراتي جديد! كان أخي يسأل المسحراتي الصغير «ابراهيم» عن والده المسحراتي الكبير «اسماعيل»، وفيما كنت أتوقع أنه سيفيد بأنه يواصل مهمته في الجهة الثانية من القرية، قال: «زمانه جاي ورايا»، انفجرنا ضاحكين قبل أن يصل صديقي «اسماعيل الكردي» بطبلته، فقد حرص على السلام فور علمه بوصولي، وكان أخي يسأله السؤال التقليدي في مثل هكذا موقف: «انت هطبل في المطبل»؟! قال لا: جاي أسلم!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store