Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

يا عرب.. لا تشتغلوا بالنووي الإيراني

A A
ما الذي منح دولَ الغرب العظمى حق تقرير مصير غيرها، والتحكم في مقدراتها؛ فتفرض عليها ما تشاء وتنزع منها ما تشاء؟. إنها القوة؛ فعالَم اليوم لا يعترف إلا بالقوي، والقوي لا يستمد قوته إلا من أسلحته وحداثتها وتقانتها وفتكها وردعها، بما يضمن له كرامته ووجوده وهيبته. حيازة أسلحة الردع أمر التفتت إليه دول الغرب -ثم بعض دول الشرق- فتمكنت من إنتاجها وتطويرها وتكثيرها حتى امتلكت زمام العالَم، وتحكمت في شؤونه ومقدراته، وهيمنت -عسكريًّا وثقافيًّا- على أجزاء منه. عند الحديث عن التسلح تأتي الأصوات المضادة داعية إلى عدم الاشتغال به على حساب الاشتغال بالتنمية، وكأنها لا ترى إلا (أبيض أو أسود)، وكأنها لا تعرف نظرية التوازن التي تقوم على الاشتغال على طرفَي المعادلة (التنمية والتسلح) بالتساوي -وربما تميل الكفة للتسلح إذا اقتضت الضرورة- وهو ما يعني ضمان تنمية فاعلة ومستمرة، وتسلحًا يحفظ للكيان هيبته وديمومته. إن مجرد الازدهار التنموي لأي دولة لا يضمن لها البقاء، ولا يصنع لها الهيبة، بل يجعلها تحت مطرقة الدول المعادية وسندان الدول الصديقة، وهذه هي حال أغلب الدول العربية، ولو أن العرب يعيشون ظروفًا غير التي يعيشونها اليوم، وكانوا بمنأى عن كل هذه الإشكاليات والمخاطر التي تحيط بهم لغلَّبْنا جانب التنمية، مع أن التنمية اليوم في أدنى مستوياتها في معظم الدول العربية، وأسوأ منها التسلح. الأمر الأعجب في مسألة التسلح هو مناكفة الدول غير النووية (عربية وإسلامية) لمثيلاتها (غير النووية) حال عزم إحدى هذه الدول اللحاق بالدول النووية، بل واصطفافها مع الدول النووية ضد هذه الدولة أو تلك، ومن ذلك اشتغال العرب بالمشروع النووي الإيراني على حساب مشروعهم. لا تثريب على العرب في تخوفهم من المشروع النووي الإيراني؛ عطفًا على العداوة والتهديدات (الحاصلة) من إيران للدول العربية، لكنني -وهنا الشاهد- أرى أن الأجدى للدول العربية هو شروعها -خاصة القادرة منها- في إنتاج القنبلة النووية بدلاً من الاشتغال بالنووي الإيراني؛ حمايةً للكيانات وكبحًا للأطماع الإيرانية والإسرائيلية والتركية وغيرها.

ينبغي للعرب عدم التعويل على أمريكا -والغرب عمومًا- لإيقاف النووي الإيراني؛ إذ لا فائدة تُرجى من مراقبة أمريكا له، فالوقت يمضي وإيران لمفاعلها تبني. ومن يرى أن الفسحة التي قد يمنحها الرئيس الأمريكي الحالي (بايدن) لإيران ستنتهي مع تنحيه عن الرئاسة في الانتخابات القادمة، فهذا لا يضمن أن الانتخابات قد تعيد بايدن نفسَه، أو تأتي ببايدن آخر، حتى يفيق العرب على الواقع المرير ويصبحوا بين مفاعلَي ديمونة وبوشهر، وهما المفاعلان اللذان كتبتُ عنهما قبل (١١) سنة بعنوان (“ديمونة” و“بوشهر” وبينهما عرب!) وفيه دعوت إلى تسلح العرب النووي مهما كلف الأمر. أمريكا لن تَصدُق في ضرب النووي الإيراني، ولو كانت صادقة لقضت عليه في مهده، أسوة بالنووي العراقي كما يذكر الدكتور عيد الجهني في مقاله الأسبوع الماضي في صحيفة الجزيرة. وعلى هذا فلو أن أمريكا لمست رغبة جادة من العرب في التسلح لغيَّرت موقفها من إيران ونوويها، ولاتخذت إجراءات حاسمة إما بإنهائه أو بالتغاضي عن العرب. ولو حدث أن أمريكا دمرت النوويات العربية -حال قيامها- ولم تمس النووي الإيراني عندها ستكون على المحك وستَظهر على حقيقتها -وإن كانت ظاهرة- ويتبين للعرب أنها ليست معهم بل ضدهم. لعل في مجالدة باكستان وتحملها الضغوط الأمريكية مثالاً يحتذي به العرب، حتى قال رئيس وزرائها بوتو لمهندس القنبلة النووية الباكستانية عبدالقدير خان (إننا على استعداد أن نأكل التراب وأوراق الشجر في سبيل الحصول على القنبلة الذرية)، وعلى العرب أن يتذكروا مقولة هتلر الشهيرة لنابليون حينما زار قبره بعد أن سقطت باريس في يده.

لا أحد يحبذ اشتغالَ العرب بالتسلح، لكن المسألة أصبحت في حكم الضرورة، وهي مسألة بقاء وكرامة، والظروف المحيطة تحتم عليهم ذلك، وهذا لا يعني الانصراف عن التنمية؛ بل كما قال الشاعر -لا أذكر اسمه- «يدٌ على طرف الزناد ويدٌ تعمر في البلاد».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store