Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

شهر الصيام في الروضة الحرام

A A
مَن قُدَّر له صيام شهر رمضان المبارك في المدينة المنوَّرة، أو أيَّام منه، يجد نفسه في روضة من رياض الجنَّة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمَنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ».. كما يجد داخل الحرم وقريبًا من الروضة الشريفة في أداء صلاة العصر روحانيَّة وخشوعًا كلَّما سجد وسبَّح.. وأينما كان مجلسه في الحرم، يجد حوله حلقات من الذاكرين ومن حافظي كتاب الله، يتلون آياته ويتدارسون معانيها.. ومع اقتراب ساعة الغروب، يشاهد دخول مجموعات من أهالي المدينة المنوَّرة ومن المقيمين فيها وبأيديهم زنابيل بداخلها حبَّات من الرطب والتمر، وترمس قهوة حافظ للحرارةً، وقد يُضاف إليها علب من لبن الزبادي وقطع من خبز الشريك.. يفرشون سفر تناول الطعام فيما بينهم متحلِّقين، يضعون فوقها ما أحضروه لفكَّ الريق، ويدعون من حولهم من المصلين لمشاركتهم حتَّى ولو لم يكن بينهم معرفة.. ودقائق قبل الغروب، يأخذ كلُّ من في الحرم بالدعاء والاستغفار.. ومع تكبيرة الآذان، يفكُون الريق، بادئين بماء زمزم المبرَّد المتوفِّر خصِّيصًا للحرم، ومن ثمَّ بحبَّات من الرطب والتمر مع القهوة، وبشرب اللبن وتناول قطع من الشريك.. وتنتظم الصفوف للصلاة.

بعد الصلاة، تتّجه غالبيَّة من في الحرم كلٌّ إِلى مسكنه لمشاركة الأهل بوجبة الإفطار التي غالبًا ما تتألَّف من الشوربة وحبَّات من السنبوسك، إضافة للفول المدمَّس وأقراص الفلافل إلى جانب السلطات والعصيرات.. ومن ثمَّ يعود الرجال والبالغون من الأبناء إلى الحرم لأداء صلاة العشاء والتراويح.. وبعدها يتجوَّلون في الأسواق، ويزورون في جولاتهم الأقارب والمعارف مهنَّئين بالشهر المبارك، فعودة إلى المنزل عند منتصف الليل لتناول وجبة العشاء الرئيسة، وتبادل الحديث فيما بينهم ومتابعة ما يتاح من المسلسلات الرمضانيَّة والبرامج الدينيَّة والترفيهيَّة، يتبعها أخذ قسط من النوم لغاية ساعة الامساك وتناول سحور خفيف فأذان الفجر الذي يصليَّه بعضهم في البيوت، ثمَّ يخلدون للنوم.. وآخرون يفضِّلون صلاة الفجر في الحرم.

هذه الأجواء الرمضانيَّة لا يماثلها في روحانيَّتها إلَّا بيت الله الحرام في مكَّة المكرَّمة والمسجد الأقصى في القدس الشريف، فكَّ الله أسره وأعاد للشعب الفلسطيني أراضيه، ومكَّنهم من إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.

ما يحز في النفس، عدم تمكُّن الكثيرين منَّا هذه السنة، وللمرَّة الثانية على التوالي، التمتُّع بما في الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى من روحانيَّة شهر رمضان من جرَّاءِ الاحتياطات الصحيَّة الهادفة للحدّ من انتشار الكورونا بالتباعد ووضع الأقنعة الواقية، وتقنين عدد المصلَّين والمعتمرين.. لذا يجب التنويه بأنَّها المرَّة الأُولى، على ما أذكر التي يعمل جميع من على كوكب الأرض من البشر؛ حكَّامًا ومحكومين، متضامنين بصدق وعزم على مكافحة الوباء الذي لم يستثنِ أحدًا من عدوانيَّته وشره.

ولا بدَّ من الإشادة أيضًا بما تبذله حكومة خادم الحرمين الشريفين لمكافحة هذا الوباء لسلامة الجميع، وما تقدَّمه من عون وتسهيلات للمتضرِّرين لتنشيط الاقتصاد، وعودة الأسواق لطبيعتها بسخاء ولوجه الله.. وفي ذلك ما يماثل هدي حديث شريف، يُروى عنه عليه الصلاة والسلام: «ما آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وجَارُهُ جَائِعٌ إَلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ». لقد أَنْعَمَ اللهُ على خزائن بلدنا بالرزق الوفير، وعلينا بقيادة رشيدة، تراعي حقَّ العباد فيما وهب الله، فتعين مَنهم غيرَ القادر على تدبير أمور حياتهم ومعيشتهم.. واللهمَّ لك الحمد والشكر على ما أنعمت علينا وبلدنا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store