Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

كلماتٌ حول الظُّلم

A A
* يبدو لي أنّ الأديان بمُثلها العليا، لم تنجح على مرّ العصور في نشر العدالة الاجتماعية إلا نادرًا.. فالناس -والمُترَفون خاصّة- يفهمون من الدّين ما يناسب أهواءَهم ويفسّرونه حسْب أمزجتهم، ثم يطبّقون منه ما يوافق مصالحهم الشخصية ورغباتهم الدنيوية، ويستغلّونه في الظّلم الاجتماعي.

* معظم ما اهتمّ التاريخ بتوثيقه، أخبار الملوك والسّلاطين وانتصاراتهم وأمجاد الحضارات وجوانبها المشرقة، لكنّ الحقيقة السّاحقة المنسيّة، هي أخبارُ الظلم والعدوان، وحوادثُ المؤامرات وسفك الدماء، ومعاناةُ الفقراء والمغلوبين المقهورين المستضعفين، الذين قضوْا دون جلبة ولا ضجيج.

* يرى (ابن خلدون) أن الشرّ أقربُ الخِلال إلى البشر، وعلى ذلك الجمّ الغفير منهم، ومن أخلاق البشر فيهم الظّلم والعدوان، إلا أن يصدّهم وازع القهر والسُّلطان عن التظالم.. وبصورة عامّة، كلما ازدادت الحضارة تطوّرًا وتقدّمًا، ازداد الترف وانتشر الظّلم وانحدر مستوى الأخلاق الفردية والعامة.

* من وسائل تكريس الظّلم والخداع، التركيز على النوادر ممن نجحوا وبرزوا وأبدعوا، والاحتفال بهم بحجّة التحفيز، في حين يتمّ تجاهل قصص من عانوا واجتهدوا ولم تحالفهم الظّروف، ووقعوا ضحيةَ الظّلم والفساد والمحسوبية، ولم تدعمهم الصّدف المواتية والفرص السّانحة.. وهم الأغلبية.

* إن الإنسان بطبعه لا يتوانى عن الظّلم والغلَبة منذ قديم الأزل، وما تغيّر هو وسائل الظّلم وطرق الغلبة المُتناسبة مع كلّ عصر، فمع التطوّر الحضاري والتقني، تطوّرت صور الظّلم الإنساني، ولعلّها ازدادت انتشارا، مؤذنة باندفاع الحضارة الحالية نحو الهلاك والفناء بوتيرة مُتسارعة. يقول (ابن خلدون): «الظّلم مُؤذنٌ بخراب العمران».

* يظنّ كثيرون أنّ من الضروري عليهم أن يُعانوا حتى يُبدعوا أو ينجحوا، لكنّ الحقيقة أنّ هذه فكرةٌ غير دقيقة، قد يكون روّجها بعض المُترَفين والمُدّعين حتى يخدعوا الضّعفاء والمتألّمين، ويحاولوا إقناعهم بالصبر على الظّلم والفساد والقهر، وتبرير معاناتهم وأوضاعهم السيّئة وظروفهم الصعبة. يقول الفيلسوف (برتراند راسل): «يوجد في الجزء الذي نعرفه من الكون الكثير من الظّلم، وغالبًا ما يعاني الطيّبون، وغالبًا ما ينجحُ الأشرار».

* يُشير تقريرٌ عالمي اجتماعي حديث صدر عن الأمم المتحدة، إلى تزايد نسبة الناس الذين يعانون من «الظلم وعدم المساواة» حول العالم إلى (70%) منهم. يقول الدكتور (عادل صادق) أستاذ الطبّ النفسي: «وبعد رُبع قرن من مُمارسة مهنة الطب.. أستطيع أن أضيف أحد الأسباب الطبّية لموت الإنسان؛ ألا وهو الظّلم».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store