Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
خالد مساعد الزهراني

فاجعة (النطاق الأحمر)..!

صدى الميدان

A A
* بقدر ما أسهمت قنوات التواصل في إحداث (نقلة) في حياة الإنسان إلا أنها أخذت منه، وهذا يأتي متوافقا مع قاعدة أن لكل شيء ضريبة، فبقدر ما تدفع به نحو تيسير أمور حياته إلا أنها (عقّدت) عليه جوانب أخرى، بل وجعلته (أسيراً) لما تود أن تأخذه إليه، يدري أو لا يدري.

* وهذا ما يظهر جلياً في تلك المجالس التي يحضر فيها الكثير، ولا تسمع فيها للحديث إلا (همساً)، فكل وجد بجسده أما روحه فإنها هناك حيث (عالمه الافتراضي)، فغابت عن تلك المجالس أحاديث السمر، وقصص الحياة وتجاربها، وتحليلات أحداث (الساعة) على عفويتها وبساطتها، وما ذلك إلا بسبب ما أحدثته ثورة (السوشيال ميديا) في حياة الناس من (فجوة) تواصل، قربت البعيد، وأبعدت القريب!

* هذا جانب انعكس أثره على جوانب أخرى، فأصبحت حياة المجتمع تفتقد إلى (أساسيات) لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع حدوثها، ولكنها اليوم (تُعايش)، بل وتمضي نحو الوضع (الطبيعي)، حيث لا حراك يرجى نحو عودة تلك الصورة، التي كان عليها (زمن الطيبين)، فاختفت الكثير من مظاهر الترابط الاجتماعي، بل ووصل الأمر إلى مالا يحمد عقباه، من ظهور جيل الله وحده العالم كيف سيتعايش مع مستقبل لا يقيم فيه وزناً حتى لسنة (العزاء).

* أمر خطير، ولكن مقدمة جحافل جيشه وصلت اليوم، وأرجو صادقاً أن أكون مخطئاً في ذلك، فما يلاحظ من معايشة واقع جيل لا يحضر مع الجنازة، ولا يقف في العزاء، ولا يكلف نفسه بارسال رسالة (تعزية) أمر صعب، وواقع مؤسف، وهو ما يفرض تساؤلا مؤلما كيف سيكون حال وفيات المستقبل، وهل سيحتاج إلى (عمالة) تتولى أمر ذلك، في ظل بوادر هذه (الفاجعة) الاجتماعية.

* في جانب آخر فمن تغافل عن ذلك الواجب، فلا يتوقع منه أن يحضر في مواقف أخرى، وهو ما أعنيه من وجود شريحة لا تهتم بصلة الرحم، بل وتتعامل بنوع من (اللامبالاة) مع فروض اجتماعية أساسية في تماسك البناء الاجتماعي، فلا تزور مريضاً، ولا تبارك عرساً، ولا تهنئ بنجاح... إلخ، وفي نفس الوقت تعيش (منغلقة) تغيب سنوات، وعند المقابلة كأنها غيبة ساعات، وهو ما أفرز عينة من البشر تخطيء، وتكابر، وتنتظر الاعتذار!

* ما سبق إشارات تم رصدها، وأرجو ألا تكون كلها أو بعضها قد رصدت من قبلك عزيزي القارئ؛ لأن ذلك يعني أنها تمضي نحو الظاهرة، وذلك نذير شؤم، له ما بعده من عواقب وخيمة، من نشوء مجتمع (هش)، يفتقد إلى تلك الروابط، التي أشعرت المتمسك بها اليوم بالغربة، في وقت يفترض أن تدعم قنوات التواصل ذلك، بالمزيد من التقارب، المزيد من التواصل، ولكنها أفرزت بكل أسف خلاف ذلك، ولو بنسبة تكفي لرن جسر التحذير من الاتجاه اجتماعياً نحو (فاجعة) النطاق الأحمر.. وعلمي وسلامتكم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store