Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

اذهب واحتطب!!

بانوراما

A A
روت كتب السنن أن رجلًا من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله بعض حاجته، فسأله: أما في بيتك شيء؟، فقال: بلى، بساط نبسطه، وإناء نشرب فيه، فأمره أن يجيء بهما فباعهما بدرهمين، وأمره أن يشتري بأحدهما طعامًا لأهله، وبالآخر فأسًا وقال له: «اذهب واحتطب».. فرجع الرجل بعدها وقد أصاب عشرة دراهم.

إن هذا التصرف النبوي الحكيم هو بمثابة درس حي لكل شاب، يحثهم بأن يبحثوا عن رزقهم في فجاج الأرض، لقد جاء الرجل (يشحذ) الدرهم والدرهمين، فإذا به صار يمتلك الكثير من عرق جبينه! إن العمل هو الثمن الذي يجب أن يدفعه كل منا مقابل الحصول على المال.

ولقد مررت شخصيًا بهذه التجربة، ووجدت بركتها ولله الحمد والمنة، فكنت أعمل قديمًا، وأنا طالب في الجامعة إبان الإجازة في موسم الحج، سائقًا للحافلات، ومطوفًا للحجاج، ومرشدًا لضيوف الرحمن، ومشرفًا على إسكان الحجاج وفي بيع وشراء الأضاحي فأرجع بنحو أكثر من ستين ألفًا من الريالات، كانت في ذلك الوقت ذات شأن عظيم، حيث لم تكن مكافأة الطالب الجامعي وقتها تتجاوز 350 ريالًا شهريًا، أي بما مجموعه 4200 ريال سنويًا.

ليس القصد من رواية هذه التجربة الشخصية دعوة الشباب إلى أن يعملوا الأعمال ذاتها، أو يمارسوا المهمات نفسها، ولكن القصد هو إلى المعنى الكامن في هذا التفاعل المكي مع شكل الواقع الاقتصادي المتجدد سنويًا، فكل مجتمع له طبيعته وطريقته في التعامل وبيئته وفرصه الاقتصادية المختلفة والتي كثيرًا ما نتركها للآخرين للاستفادة منها مع الأسف!

ففي مكة كانت هناك مهن وصناعات يمارسها سكان المدينة المقدسة؛ من أجل الكسب، فمنهم: الحدادون، والنجارون، والجزارون، وأصحاب الفنون في زخرفة المنازل، وعمال البناء والحجّارة الذين يعملون في صناعة الحجر، إلى درجة أن عددًا من العوائل قد انتسبت إلى مهنتها، فكان في مكة بيت النجار، وبيت الحداد، وبيت الطباخ، وبيت السمان، وبيت البنا، وبيت السمكري وهكذا.. وفي وقتنا الحاضر أوكلت هذه الحرف والصناعات إلى العمالة الوافدة واتجه أغلب الشباب إلى الوظائف الحكومية، ولم يعد هناك الحرفيون المهرة من أبناء الوطن كما كان في السابق.

قال الأديب الفرنسي الشهير فلتير: «العمل يبعد عن الانسان ثلاثة شرور: السأم والرذيلة والحاجة».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store