Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

تعديل التقويم يؤسس لنهضة التعليم

A A
حمل التقويم الدراسي الجديد الذي أعلنته وزارة التعليم مؤخراً العديد من الإشارات الإيجابية التي تؤكد عزم الدولة المضي في سياساتها التطويرية التي أعلنتها لتجويد مخرجات العملية التعليمية، ورفع مستوى كفاءة الطلاب ومساعدة المعلمين على ترقية أدائهم، بما يصب في الآخر نحو إيجاد أجيال جديدة مسلحة بالعلم والمعرفة وقادرة على حمل راية العمل والإنجاز خلال الفترة المقبلة.

وقد أولت رؤية المملكة 2030 اهتماما متعاظماً بالعملية التعليمية، بوصفها أولى المداخل نحو تحقيق التنمية الشاملة، وتهيئة الأجواء أمام رجال التعليم للإبداع، لأنه لا قيمة لأي نهضة أو ازدهار اقتصادي إذا لم يكن هنالك تطور مماثل في العنصر البشري، لأنه المستهدف الأساسي بخطط التنمية، وأي نجاح يتم تحقيقه لن يكون مستداماً إذا لم يكن ذلك العنصر قادراً على الحفاظ على المكتسبات، وهذا بطبيعة الحال لن يتأتى إلا عبر تطوير مخرجات التعليم والاهتمام بالطلاب.

خلال السنوات الماضية حظيت العملية التعليمية بمراجعة شاملة من الأجهزة المعنية توصلت إلى أن التقويم الدراسي لم يكن بالمستوى المطلوب، حيث يتعرض الطلاب إلى ضغوط شديدة تتسبب في إجهادهم بسبب طول أيام التدريس في الفصل الدراسي الواحد، وهذا ينعكس على مستوى تحصيلهم وكثرة المقررات التي يدرسونها خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا، مما كان يستلزم تكثيف الحصص.

في المقابل كان هناك تربويون ومختصون في مجال التعليم يجأرون بالشكوى من طول أيام العطلة السنوية، مؤكدين أن كثيراً من الطلاب يعانون من نسيان ما تعلموه خلال العام الفائت عند بداية العام الجديد، وهذا يتسبب بدوره في عدم اكتمال دورة المعلومة في أذهانهم لأن العلوم ترتبط ببعضها البعض، والمعلومات الجديدة غالباً ما تبنى على السابقة.

بعد دراسات وافية ومراجعة لما كان عليه الحال توصلت وزارة التعليم إلى مكامن الخلل ونقاط الضعف، وهو ما تم تجاوزه في التقويم الدراسي الجديد، حيث يشتمل على ثلاثة فصول دراسية بدلاً من فصلين، وكل فصل يتكون من 13 أسبوعاً من الدراسة المتواصلة، وفي ذات الوقت تتاح للطلاب فرصة كافية للاستجمام والتقاط أنفاسهم عبر عطلات مدروسة تم توزيعها بعناية فائقة على العام الدراسي، ليتمكنوا من استيعاب الدروس التي تلقوها، وحتى ترسخ في ذاكرتهم وتعينهم على تعلم الجديد.

لذلك فإن التعديل الجديد كما يؤكد كثير من المسؤولين تم وفقاً لدراسات معيارية علمية أثبتت أن أكثر المعضلات التي واجهت المعلمين والتربويين خلال الفترة الماضية هي أن طول فترة الإجازة السنوية وإجازة نهاية الفصل الأول يؤثر بشكل سلبي على المعارف والمهارات التعليمية التي يحصلها الطلاب في المدرسة ويتسبب في تسربها من عقولهم وذاكرتهم.

وقد فرضت مرحلة ما بعد إقرار رؤية المملكة 2030 وبدء إنزال مفرداتها على أرض الواقع أن نقوم بمراجعة سياساتنا التعليمية والنظر في الحصيلة التي تم تحقيقها خلال السنوات الماضية، وكيفية تسريع عملية التطور والتحديث، بعد أن أولت الخطط اهتماماً واضحاً برفع مخرجات التعليم، لمواكبة ما يشهده الوطن من تحول سريع نحو آفاق جديدة، وانطلاق نحو مستقبل مشرق، والتناسق مع مستجدات العصر، ومفرداته.

لم تقتصر بشريات التغيير الجديد على مجرد تعديل التقويم الدراسي، بل شملت تطوير وتحديث المناهج، وتغيير السياسات التعليمية، وتحسين الخطط، وتضمين مواد جديدة، وتقديم تدريس مواد أخرى بناء على احتياج كل مرحلة وفصل دراسي، سعياً وراء إيجاد منظومة تربوية شاملة تستهدف تعزيز القدرات والمهارات الطلابية، مما يشكل نقلة نوعية تمهد لازدهار البحث العلمي وتنمية روح الابتكار وتلبية احتياج سوق العمل، لتكون المحصلة في النهاية تخريج أجيال جديدة فاعلة وقادرة على المنافسة بقوة في سوق العمل، ليس داخل المملكة فحسب بل وخارجها أيضاً.

مما لا شك فيه أن مشاركة المملكة في عضوية مجموعة دول العشرين ورئاستها للقمة الماضية بدأت تؤتي ثمارها، فتلك المجموعة تضم أكثر دول العالم تقدما وتطوراً على كافة الأصعدة، سياسياً واقتصادياً وعلمياً وثقافياً، والمملكة من واقع عضويتها استطاعت التعرف على أفضل الأساليب التعليمية وأكثرها تطوراً وتناسباً مع واقعنا. مع تأكيد أن الاطلاع على تجارب الآخرين واقتباس ما يتوافق مع قيمنا وظروفنا، مع الاحتفاظ بخصائصنا ليس فيه منقصة أو مذمة، فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي يؤثر في غيره ويتأثر بهم، ولا توجد دولة في العالم لا تحتاج إلى التواصل مع الآخرين.

ختاماً ينبغي التأكيد على أن العملية التربوية والتعليمية تحتاج للمراجعة والتعديل والتنقيح بين كل فترة وأخرى، لأنها عملية متغيرة في الأساس، وتخضع لتقييم المختصين، وإجراء أي تعديل أساسي أو جوهري لا يعني بالأساس أننا كنا على خطأ، بل إن الهدف الرئيسي هو السعي وراء التجويد، ومحاولة الوصول إلى الأفضل، لأن من لا يراجع مسيرته باستمرار ويحرص على تصويبها فإنه سيجد نفسه خارج المنافسة وبعيداً عن الدول المتقدمة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store