Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

التباهي بالسلاح يهدد استقرار المجتمع

A A
برزت خلال الفترة الماضية ظاهرة تباهي الشباب بإطلاق الرصاص في الهواء من أسلحة نارية، وتوثيق ذلك الفعل غير النظامي وبثه على مواقع التواصل الاجتماعي، كنوع من المباهاة والتفاخر، أو لإرسال رسائل إلى أشخاص محددين، وهو ما دعا الأجهزة والسلطات المختصة إلى التحرك عاجلاً وتوقيف أولئك المخالفين والتحقيق معهم ومن ثم إحالتهم إلى محاكمات عاجلة.

وعلى الرغم من الإجراءات الرادعة وتنبيه النيابة العامة في أكثر من مناسبة إلى خطورة تلك الأفعال المتهورة، وتعارضها مع الأنظمة والقوانين، وتأكيدها ملاحقة مرتكبيها وتقديمهم للقضاء، إلا أن ذلك للأسف لم يؤدِ إلى القضاء عليها، حيث نشاهدها بصورة متكررة ومقلقة، مما يضع علامات استفهام كثيرة حول المغزى منها.

وتشير سجلات وزارة الداخلية وتأكيدات مسؤوليها إلى أن غالبية الأسلحة التي ترتكب بها تلك التصرفات الهوجاء هي أسلحة غير مرخصة في الأساس، لذلك بادرت الوزارة خلال الأسبوع الماضي إلى إتاحة الفرصة للمواطنين لتصحيح أوضاع ما بحوزتهم من أسلحة وذخائر غير نظامية، عبر تمديد مهلة السماح بترخيصها، لمدة عام كامل، تنتهي في شوال من العام المقبل، مشيرة إلى أنه سيتم تعليق إجراءات المساءلة النظامية للمخالفين خلال هذه المدة، وهو ما يمثل فرصة سانحة للذين لم يتمكنوا من تسوية أوضاعهم. ‏

ولا خلاف على أن مشكلة حمل السلاح غير المرخص واستخدامه هي مشكلة أمنية على جانب كبير من الخطورة، تشكل تهديداً مقلقاً للأمن العام، وتبعث على زيادة الشعور بالقلق وعدم الأمان، لا سيما في ظل ما نطالعه في الصحف ونشرات الأخبار ووسائط التواصل الاجتماعي عن تكرار وقوع حوادث مأساوية، كان السلاح غير المنضبط القاسم المشترك فيها لقتل العديد من الأبرياء، سواء عن طريق الخطأ كحالات إطلاق النار في مناسبات الزواج والأفراح، أو في حالات عبث الأطفال بالسلاح في غياب آبائهم، أو في حالات أخرى بين الخصوم، إضافة إلى استخدام تلك الأسلحة بواسطة عصابات السرقات والسطو والقتل، ومحاولات تهريب المخدرات والخمور.

وإذا كانت الرغبة في اقتناء وحمل السلاح هي عادة مارسها الإنسان منذ عصور قديمة، بسبب حاجته إلى الدفاع عن نفسه وعرضه وماله، أو ممارسة الصيد لاكتساب القوت، فإن ظهور الدولة الحديثة بمفاهيمها المتعددة ألغى الحاجة إلى ذلك.

وعلى الرغم من أن المملكة تتمتع بحمد الله بحكومة قوية استطاعت في وقت قياسي فرض الأمن والأمان في كافة ربوع البلاد، وأوجدت نهضة اقتصادية ضخمة توفرت معها الفرص الواسعة لاكتساب الرزق بدون عناء ومشقة، إلا أنها مع ذلك أقرت الحق في امتلاك السلاح بضوابط محددة ومشددة، في مقدمتها أن يكون مرخصاً وبموافقة السلطات المختصة. لذلك صدر نظام الأسلحة والذخائر بالمرسوم الملكي رقم (45) لعام 1426 والذي حدد شروط وضوابط تلك الحيازة.

ولإشاعة أكبر قدر من الأمان بين المواطنين، منعت القوانين حمل واستخدام الأسلحة -حتى وإن كانت مرخصة- في العديد من المواقع، لعدم استفزاز المجتمع أو إثارة الرعب بين أفراده أو المساس بهيبة الدولة. كذلك فإن الأسلحة المتطورة الجديدة التي تتوفر حالياً تختلف عن تلك التي كانت موجودة في السابق والتي يحتاج استخدامها إلى بعض التجهيزات التي تستغرق بعض الوقت. فالأسلحة الأوتوماتيكية الحديثة يمكن استخدامها في ظرف ثوانٍِ معدودة وهو ما يمنع صاحبها من تغليب الحكمة والعقل والتفكير في عواقب تصرفاته.

وتتشارك أسباب كثيرة في إغراء الشباب بحمل الأسلحة واستخدامها بعيداً عن أعين والديهم، من بينها انتشار ألعاب إليكترونية تحض على القتال واستخدام الأسلحة، وأفلام الآكشن التي تقدم البطل في صورة إيجابية وهو يمارس العنف بحق الآخرين، أو اعتقاد أن ذلك التصرف من مكملات الرجولة والبطولة، والمشاركة في مناسبات الأفراح وغير ذلك مما يستدعي ضرورة تدخل الأهل لتغيير تلك المفاهيم المغلوطة.

بلادنا ولله الحمد تمتاز بمتلازمة الرخاء والأمن، مصداقاً لقوله تعالى (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، وهذا الشعور بالأمان والاستقرار هو كلمة السر في استمرار الرفاه الاقتصادي والتطور الذي نشهده على كافة الأصعدة. لذلك فإن من يتباهون بحمل السلاح خارج إطار القانون إنما يهددون، بقصد أو بدون قصد، هذه الميزة التي منحنا إياها المولى عز وجل، ويسعون إلى تبديد الصورة الذهنية التي يحملها الآخرون عن أرض الحرمين.

الالتزام بالقانون والضوابط العامة سلوك حضاري مقدر، وباحترام الأنظمة ومراعاة الشعور العام تُعرف الأمم والمجتمعات. ولأن هذه التصرفات الفوضوية تسيء إلى سلوكياتنا ومبادئنا وقيمنا، وتشوه صورة حضارتنا ومفاهيمنا، وتمثل خرقاً لشعور العامة بالأمان والاستقرار، فإنه ينبغي عدم التساهل مع كل من يرتكب تلك الأفعال، مهما كانت المبررات والأعذار، فلا مكان بيننا لمتهور لم يجد إلا السلاح وسيلة ليتباهى ويشكل بها خطراً على نفسه والمجتمع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store