Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

أطباء مُخرِّفون.. وإعلاميون مُضلِّلون!

A A
* في منتصف سبعينيات القرن الماضي نشرت إحدى الصحف السعودية الكبرى خبرًا مزلزلًا؛ حددت فيه موعد (يوم القيامة)!.. للأمانة، لم أقرأ الخبر في الصحيفة لصغر سني في ذلك الوقت، لكنني أتذكر جيدًا ‏تأثيره القوي على الناس، ولك أن تتخيل كيف سيستقبل مجتمع بسيط في علمه وثقافته ووعيه خبرًا يحدد موعد فناء البشر، وانتهاء كل أشكال الحياة على ظهر الكوكب!. بالطبع جاء الموعد المحدد، بل ومر عليه حتى الآن أكثر من ٤٦ عامًا ولم تقم الساعة، لأنها -بكل بساطة- من علم الله الذي اختصه لنفسه، ولم يطلع عليه أحد من خلقه. ‏ * تذكرت هذه الحادثة وأنا أتابع عبر وسائل الإعلام ما يروّج له بعض المحسوبين على مهنة الطب من أن نهاية كل من تلقوا لقاح (كوفيد ١٩) ستكون بعد عامين على الأكثر!! وبما أن معظم أهل الأرض قد تلقوا ‏اللقاح، فهذا يعني فناء البشر جميعًا، ما عدا أولئك (العباقرة) الذين تنبهوا للمؤامرة ولم يأخذوا اللقاح حتى الآن!. قد تكون الحادثتان مختلفتين في كل شيء، إلا أن ما يجمعهما هو أنهما جاءتا كطعنتين من مأمن، فاذا كانت خرافة السبعينيات قد أتت من صحيفة رسمية يفترض أن تكون أداة للتنوير ونشر الوعي، فإن الخرافة الحالية مازالت تترى عبر أطباء يفترض فيهم العلم والعقلانية والموثوقية والتمسك بأبسط متطلبات البحث العلمي!. * الخرافة بكل أشكالها تمثل جزءًا من ثقافة البشر عبر العصور والأزمان المختلفة، ولا يقتصر وجودها؛ والإيمان بها على العامة والبسطاء وقليلي التعليم، فالذكاء والتقدم في التعليم لا يعنيان بالضرورة خلو الفكر من شوائب غريبة وشاذة؛ فهناك أناس مهما وصلوا من العلم لديهم دومًا ميل شديد نحو الماورائيات؛ وعوالم الخرافة، وقد ذكرت في مقال سابق كيف أن علماء وفلاسفة كبار مثل (باسكال) و(بويل) كانت عقولهم تحوي مساحات كبيرة من الخرافات والدجل، بالإضافة إلى أن هناك من يعشقون كل ما هو مثير وغير مألوف، ويعتبرونه إنجازًا لمجرد أنه مختلف عن السائد!.. فضلًا عن أن الميل للمخالف قد يكون أحيانًا نوع من التمرد السياسي، والرغبة في إحراج الجهات الرسمية، ناهيك عن بعض المأزومين نفسيًا الذين تجد هذه الشائعات قبولًا واسعًا لديهم. * في كتابه الرائع (العلم الزائف) والذي أنصح بقراءته، يكشف الطبيب والكاتب في صحيفة الجارديان (بن جولديكر) أسرار الأطباء الدجالين، والإحصائيات المغلوطة التي يضللون بها الناس بمساعدة الإعلام. يقول عن قضية التطعيم الثلاثي التي تشهد تجاذبًا منذ سنوات: «يتوقف اقتناعك بتصريح وزارة الصحة بأن «التطعيم الثلاثي آمن» أم لا، على تحديدك لمعنى كلمة «آمن».. هل الطيران آمن؟ هل غسالة الملابس آمنة؟ يمكنك أن تمضي في التفكير في فكرة الأمان على هذا النحو الفلسفي، وهو ما قد يجعل أي شيء ليس آمنا بنسبة ١٠٠٪»!. * في زمن اختلاط المعلومات يجب أن نكون أكثر وعيًا؛ وقدرة على فرز المعلومة وفلترتها وتقييمها، وعدم الانجراف الأعمى خلف الأسماء أو الألقاب أو المؤسسات العلمية والإعلامية مهما كانت قوتها، فنحن نعيش عصر العلم الزائف والإعلام المضلل اللذين قد يجرانك للتهلكة بالأرقام والإحصائيات!.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store