Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

المجتمعات العربية وتداعيات الانغلاق.. !

A A
في المجتمعات العربية تحديدًا تختلف كثيرًا الثقافة العامة لأفرادها عن ثقافة المجتمعات الأخرى، كون الثقافة التي تجمع أفرادها متوارثة جيلاً بعد جيل، حيث تتسم في محتواها لدى بعضها بالانغلاق تحت نفوذ العادات والتقاليد والسلطة المطلقة على كافة مكوناتها بدءًا من الأسرة ثم المدرسة ثم المؤسسة ثم بعض أنظمة الحكم الشمولية التي يتحكم الرؤساء فيها بالقرار المطلق، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة المسارب، لكن سنكتفي هنا بتسليط الضوء على ذكر بعض المنتج البارز لتلك الحالة لبعض الممارسات والعادات والتقاليد الحياتية المتوارثة عبر الأجيال تباعًا والتي لم ترضخ كغيرها للمتغيرات الحياتية ولا مؤثراتها وحتى لو حدث لها بعض التغيير فسيكون جزئيًا غير ذي أثر.. فعلى سبيل المثال لا الحصر ما يترتب على تلك السلطة المطلقة التي يخضع لها الأفراد في بعض المجتمعات العربية والتي تتسم بسلوك القمع، نجد أن القاعدة الكبرى من أفرادها وهم غالبًا الطبقة الكادحة تتقمص بعد فترة من القمع سلوك المتسلط القامع فتقوم بدوره، وهذا ما يجعلني استدل بالتمثيل على ذلك بنظرية القرود الخمسة التي ورد ذكرها في التراث العربي كونها مناسبة للتمثيل والتي تتلخص في أن مجموعة من علماء النفس وضعوا خمسة قرود داخل قفص واحد ثم وضعوا وسط القفص سلماً وفي أعلى السلم عذق من الموز وكانوا في كل مرة يتسلق فيها أحد القرود باتجاه الموز يرش العلماء بقية القرود بالماء البارد وبعد تكرار ذلك الفعل أصبح كل قرد يتسلق لأخذ الموز يقوم الباقون بمنعه وضربه حتى لا يُرشهم العلماء بالماء البارد، وبعد التكرار لم يجرؤ أي قرد على صعود السلم لأخذ الموز على الرغم من كل الإغراءات خوفًا من الضرب، ثم قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة ويضعوا مكانه قردًا جديدًا فكان أول ما قام به القرد الجديد أنه صعد السلم ليأخذ الموز ولكن فورًا قام القرود الأربعة بضربه وإجباره على النزول وبعد عدة مرات من الضرب فهم القرد الجديد أن عليه أن لا يصعد السلم مع أنه لا يدري ما السبب، ثم قام العلماء بتبديل أحد القرود القدامى بقرد جديد وحل به ما حل بالقرد البديل الأول حتى أن القرد البديل الأول شارك زملاءه بالضرب وهو لا يدري لماذا يضرب وهكذا حتى تم تبديل جميع القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة حتى أصبح في القفص خمسة قرود لم يرش عليهم ماء بارد أبدًا ومع ذلك يضربون أي قرد تسوِّل له نفسه صعود السلم بدون أن يعرفوا ما السبب. وهكذا هي ثقافة أفراد بعض المجتمعات العربية التي تعيش في دوائر الانغلاق والسلطة الشمولية المطلقة بعيدا عن الحراك العالمي بكل مخرجاته المعاصرة.. وقد رأينا نماذج عدة لتداعيات ذلك الانغلاق وما آلت إليه تلك المجتمعات من أحوال بائسة واضطرابات وفقر مدقع. والتمثيل لا يقلل من قيمتهم كبشر فالله تعالى قد ضرب مثلاً بالكلب والحمار والأنعام وغير ذلك.. ولكنها قراءة في ذلك الواقع الأليم الذي كان سببا في تخلف بعض تلك المجتمعات عن مسايرة الركب العالمي.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store