Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

القوة الناعمة سلاح يهزم المدافع والرصاص

A A
تزايدت خلال الفترة الأخيرة أهمية لجوء الدول إلى وسائل قوة غير تقليدية لتنفيذ خططها وتحقيق أهدافها وإقناع الآخرين بوجهة نظرها، وذلك لأسباب عديدة في مقدمتها تزايد تكلفة الحروب والخسائر البشرية والمادية والتنموية التي تنجم عنها، إضافة إلى طبيعة النظام الذي يحكم العالم والذي يسعى لتطويق الحروب ومنع اندلاعها. في هذا الإطار برز مصطلح القوة الناعمة والتي تعني استخدام أوراق ضغط اقتصادية وثقافية وعلمية وإعلامية تهدف لتكوين رأي معين في أذهان الناس، حيث تحاول الدول الحصول على التأييد بدون تهديد أو إكراه، وبطرق أكثر سلاسة تكون أسرع في الوصول إلى العقول المستهدفة وإقناعها وبذلك تكون تلك الأدوات ذات تأثير يفوق أسلحة الموت والدمار.

الدول التي تملك أدوات تلك القوة تكون في العادة دولاً مؤثرة في محيطها ومتقدمة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وعلمياً أيضاً.. لذلك فإن السعودية بما تملكه من إمكانات متطورة لأجل تحقيق مصالحها، فهي أرض الحرمين الشريفين ومهد الرسالة الإسلامية، والقبلة التي يتوجه صوبها مليار ونصف المليار مسلم، وهذا يمنحها مكانة فريدة، ويشهد العالم أجمع على حجم الجهود التي تبذلها لأجل إراحة حجاج بيت الله والمعتمرين.

كذلك دأبت المملكة منذ توحيدها على يد الملك المؤسس المغفور له بإذن الله عبد العزيز آل سعود، على الوقوف إلى جانب إخوانها من الدول العربية والإسلامية ومد يدها بالخير للمتأثرين بالظروف والكوارث الطبيعية، ولم يقتصر ذلك الدعم على الدول العربية والإسلامية بل شمل كافة دول العالم، وقد أوجدت تلك المواقف الإنسانية صورة ذهنية مشرقة عن بلادنا بما يمثل نوعاً آخر من أدوات القوة الناعمة.

كذلك فإن المملكة من أكثر دول العالم التزاماً بسياسات حُسن الجوار والاعتدال في المواقف وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، كما تتبع سياسة رصينة تقوم على عدم اللجوء لأساليب المهاترات والتصريحات العدائية، مما أكسبها احتراماً عالمياً وقبولاً لدى المنظمات والمؤسسات الدولية. هناك جانب آخر في غاية الأهمية ينبغي الانتباه له ويتمثل في ثراء المجتمع المدني السعودي، فنحن دولة بها مقومات التأثير الثقافي على الآخرين، عطفاً على ما تتمتع به من آثار خالدة ومواقع سياحية يقل نظيرها، وتراث أدبي وثقافي كبير، وإعلام متطور ومؤثر، في العالم أجمع، وشخصيات بارزة في العديد من المؤسسات الدولية، وهذه المقومات والأدوات تضيف بلا شك قدراً كبيراً للرصيد الإيجابي للمملكة. كذلك تمتاز السعودية بتأثيرها القوي على الاقتصاد العالمي، لكونها أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، وبالتالي تتحكم في تفاصيل هذا الاقتصاد ومدى استقراره، لأن التغير في أسعار النفط تترتب عليه آثار مباشرة على كافة السلع والخدمات، مما يؤدي إلى الانتعاش والنهضة، أو الكساد والانكماش، وقد لعبت المملكة طيلة الفترة الماضية دوراً كبيراً في التوصل إلى أسعار عادلة للنفط تحقق مكاسب المصدرين والمستوردين في آن واحد. ولا يكفي المقام لحصر ما تتمتع به بلادنا من مقومات تجعلها من أكثر الدول المؤثرة في العالم، فقط هناك حاجة ماسة لتفعيل تلك الأدوات وتسخيرها لتحقيق أهدافنا العليا ومصالحنا القومية، فعلى المستويات الشبابية يمكن الاستفادة من الجانب الرياضي، فالأندية والمنتخبات السعودية التي تحقق البطولات المتتالية إقليمياً ودولياً لا ينبغي أن يقتصر دورها على مجرد تحقيق الكسب التنافسي، بل يجب أن يتحول ذلك إلى أداة لتعريف الآخرين بطبيعة المجتمع الشبابي السعودي، وتوجه الدولة نحو تمكين الشباب، والإسهامات التي تقدمها له. ومن الضرورة بمكان أن تهتم وسائل الإعلام السعودية بالقيام بدورها الوطني في إبراز حقيقة المملكة ومواقفها الإيجابية، وألا يقتصر اهتمامها بالسبق الصحفي والمنافسة الداخلية، بل هناك حاجة ماسة لإنشاء المزيد من الصحف والفضائيات التي تخاطب الآخرين باللغات العالمية الحية وبأساليب عملية رصينة، وإبراز أدوات القوة التي تمتلكها بلادنا وإسهاماتها الإيجابية الكثيرة في العالم. وكذلك يجب الاهتمام بالدور الذي يمكن أن تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت صاحبة القوة الفعلية وسط جميع شرائح المجتمع.

لدينا الكثير من الأدوات التي يمكن عبر تسخيرها أن نتوصل إلى ما نريده ونرغب فيه، لاسيما في ظل التربص الذي تبديه بعض دوائر السوء بالمملكة ومحاولتها تصيد الأزمات، حتى تواصل حملاتها المسعورة ضد بلادنا، وهذه المقومات من الخطأ أن نهملها أو نتجاهل تأثيرها، فما بذلناه خلال العقود الماضية من جهود وما أنفقناه من مساعدات، وما قدمناه من مواقف إيجابية هو في الحقيقة كنز إذا ما أحسنّا استغلاله وتوجيهه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store