Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

هل ستشكل أفغانستان طالبان خطرا على الخليج؟

A A
بالنسبة للدول الكبرى، بما فيها أمريكا، فإن العالم ليس سوى رقعة شطرنج ضخمة، يفوز في لعبة الشطرنج هذه من ينجح في تحريك قطعها بشكل يؤدي الى تفوقه على الآخر. واللاعب الجيد هو من يفكر في عدة خطوات على رقعة الشطرنج قبل تحريكه أي قطعة ويتوقع بشكل صحيح الخطوات التي سيقدم عليها خصمه حتى يتمكن من استباق خطواته والتفوق عليه. وتشكل الأمم أو الدول قطع لعبة الشطرنج هذه. وبالطبع هناك دول أصغر تلعب لعبتها على مستوى إقليمي وتبني تحركاتها على ما تعتقد أنه حركات اللاعبين الكبار بحيث لا تتعارض حركاتها مع حركاتهم. ومن هنا على دول المنطقة (الشرق الأوسط) السعي لفهم أسباب حركة أميركا الأخيرة بالإعلان عن انسحابها من أفغانستان وتأثير ذلك عليها، خاصة دول الخليج. علماً بأن الحديث عن الرغبة في الانتقال الى آسيا ليس دقيقاً، لأن أفغانستان في آسيا، الى جانب أنها تحاذي الصين، التي يقول الأميركيون أنهم يعدون العدة لمواجهتها. إلى جانب الصين فإن الدول المشاركة للحدود مع أفغانستان هي باكستان وإيران ودول آسيا الوسطى (قريبة سياسياً من روسيا).

ومن المتوقع أن تلعب جميعها أدواراً هامة في مستقبل أفغانستان. وليست طالبان هي اللاعب الوحيد داخل البلاد بل هناك جماعات مناوئة ومنافسة لها تتحرك بالإضافة الى العودة النشطة المتوقعة للقاعدة وداعش ومثيلاتهما التي ستصبح عنصراً مهماً في المعادلة الأفغانية.. ويغلب على عناصر طالبان انتماؤهم الى عرق (البشتون) وتشكلت في بدايتها من طلاب كانوا يدرسون الشريعة الإسلامية في باكستان وتمددت الحركة واكتسبت قوتها في أقاليم البشتون بالمنطقة الواقعة بين باكستان وأفغانستان.

لذا فإن باكستان ستكون لاعباً كبيراً وسط الأفغان، لكنها لن تكون الوحيدة فإيران تسعي للعب دور كبير أيضاً نتيجة لعلاقتها الوثيقة مع قبائل الهزارة الشيعية، وهناك حديث عن أن طهران تطمح الى أخذ المكانة الأميركية بعد رحيل القوات الأجنبية مثلما فعلت في العراق، وإن كان هذا سيكون شديد الصعوبة لاختلاف ظروف أفغانستان والقوى التي تهيمن على شعوبها من تلك التي كانت في العراق والتي تم التمدد الإيراني داخلها بتواطؤ مع القوات الأميركية التي قامت بتصفية كل مقاومة ذات شأن قد تعيق الهيمنة الإيرانية. شرعت القوات الأميركية في مغادرة أفغانستان دون انتظار تسوية سياسية كانت تجري المفاوضات بشأنها فيما بين الحكومة الأفغانية في كابول ومجموعات تمثل حركة طالبان. وأدى هذا الى تمدد لطالبان في عدد من الولايات وانتشار الفوضى بين صفوف قوات حكومة كابول. إلا أنه من المأمول أن تتحرك بعض الفرق العسكرية الأفغانية للدفاع عن نفسها والدولة في بعض المناطق. مع أن طالبان اتبعت استراتيجية ذكية في تعاملها مع جنود الجيش الأفغاني حيث فاوضت من يوجدون في بعض المواقع وتسلمت أسلحتهم ومنحتهم مبالغ مالية ليعودوا الى بيوتهم. وتسعى تركيا التي لا حدود لها مع أفغانستان، إلى لعب دور في المجال الأمني، بعد أن اتفقت مع أميركا على تدريب القوات الأفغانية في قاعدتها بقطر. وبالرغم عن غرابة العرض التركي ومخاطره إلا أنه لا يستبعد أن تكون أنقره قد تحدثت إلى باكستان بشأنه لتأمين تفاهمها مع طالبان. ويتوقع أن تشهد أفغانستان حروباً بالوكالة عن دول إقليمية بالإضافة الى الدول الكبرى التي تتصارع على مصالح أكبر من مجرد أفغانستان.

وعندما سيطرت طالبان على كابول آخر عام 1996 (ديسمبر) أعلنت قيام (إمارة أفغانستان الإسلامية)، وتدفق عليها مقاتلون يرفعون رايات الإسلام من كل عرق ولون وتنظيم في العالم. فهل يتكرر الأمر نفسه إذا استولت طالبان على كابول هذه المرة وأعلنت دولتها الإسلامية وقامت بإعدام والهجوم على الأقليات الإثنية والمذهبية وأقفلت مدارس البنات كما فعلت سابقاً؟ من مصلحة دول الخليج استباق إمكانية تكرار انجذاب المراهقين الى شعارات إسلامية مضللة تنطلق من أفغانستان ويجندون لها، فالمخربون والإرهابيون مازالوا خطراً قائماً، وقد يكون السعي لإحداث استقرار داخل أفغانستان هو أفضل السبل لما يمكن أن يقوم به الخليجيون ضمن سياسة موحدة يتفقون عليها وينفذونها مجتمعين لا مفرقين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store