Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
منى يوسف حمدان

العقل والقلب ووحدانية الخالق

A A
في زمن الماديات والتسارع العجيب في كل مجريات الحياة بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية، حينها يجعلك ايمانك بالواحد الأحد تتوقف للحظات هل وصلنا للوقت الذي يعجب الإنسان بملكاته وقدراته وعلمه حتى يظن انه ملك الكون وما فيه؟ فيتيه في ظلمات الحياة ويمشي في كهف مظلم لا يعرف نهايته؟ ولا يجد بصيص نور يصل به لبر الأمان؟

كنت أتابع بعض المسلسلات العلمية عن الجينات والأبحاث العلمية المتطورة في هذا المجال وهذا النوع من الأفلام والمسلسلات يستهويني منذ الصغر، ولكن توقفت وتأملت للرسائل الخفية في الحوارات التي تمجد العلم وتستغني عن الخالق بطريقة لا تقبلها الفطرة السوية، وتساءلت هل سيتوقف شاب صغير وانسان غير محصن إيمانيًا ولم يكن تحت رعاية أبوية تؤمن بأهمية الجانب الروحي وعلاقة الانسان بربه، هل العقل يمكن أن يسيطر على مشاعرنا القلبية أم القلب هو المسيطر؟ وتذكرت حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم (إن في الجسد مضغة إن صلحت صلح الجسد كله، ألا وهي القلب).

في زمن الانفتاح الإعلامي الكبير ووجود كل القنوات وأصبح كل شيء متاح لابد أن نحمي بيوتنا وأطفالنا وشبابنا من موجات التشكيك بالدين والخالق والقيم والمعتقدات والهوية التي تميزنا كمسلمين.. لن نستطيع أن نعيش بمعزل عن العالم، لكن استطيع أن أكون معهم وأخالطهم وأعيش بينهم ومعهم وأنا محصن، إن كانت الفيروسات التي تصيب الأبدان نأخذ لها الأمصال لنحصل على شهادة التحصين، فمن الأجدر بنا أن نعمل عل تحصين قلوبنا وعقولنا من فكر رذيل وتشكيك في أقدس ما خلقنا من أجله وهو عبادة الله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) خلقنا لعمارة الأرض وخلافة الله على الأرض وكل هذا الكون مسخر لنا بقدرة الله.

عندما تخصصت في علم الفيزياء أول ما لفت انتباهي انه عرف منذ القدم بأنه علم الطبيعة وبحثت كثيرًا عن علاقته بتوحيد الخالق، كنت أعتقد أن علم الأحياء هو الذي يعمق إيماني بخالقي وأن خلق الإنسان والحيوان والنبات هي المعجزات الكبرى، فإذ بجهلي وقلة علمي حينها وحتى كتابة هذه الكلمات وجدت ان عالم الأرقام ومعجزة الكون العظيم أكبر مما يستوعبها عقلي المتواضع، تلك الذرات التي لا ترى بالعين المجردة بل الجسيمات متناهية الصغر التي صنع منها الانسان ما ينفع حينًا وما يضر أحيانًا وكل ذلك فضل من الله ومنة.. (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).

كان بحث التخرج من الكلية عن معجلات الجسيمات (ألفا- بيتا- جاما) التي تستخدم في المفاعلات النووية لقذف نواة الذرة، كان كل شيء بالنسبة لي خيالا علميًا لا أعيه ولا يمكن أن أدرسه إلا نظريًا فقط وتلك هي الصعوبة الكبرى وعلمتني الفيزياء التحدي الكبير مع الواقع وإن قلت الإمكانات، كما علمتني ان قدرة الله فوق كل قدرة وهو من يسخر لك جنود الأرض وملائكة السماء حين تلجأ اليه بكل حواسك ومشاعرك في لحظات ضعفك تقف ذليلا بين يديه فيعزك ويكرمك، وفي لحظات زهوك وانتصارك وقوتك تستشعر يقينًا انها من الله فتسجد شكرًا وتتواضع فتزداد عزًا وكرامة.

العقل هو لب كل شيء (إنما يتذكر أولوا الألباب) من يمحصون الأفكار قبل أن تتغلل في وجدانهم وقلوبهم وتتمكن من تغيير مجريات حياتهم وتوردهم المهالك.. قد تكون القلوب نورانية عامرة بالحب وقد تكون مظلمة تعيسة مليئة بالأمراض التي لا شفاء منها إلا بتعهد دائم قبل أن يفوت الأوان.

عقولنا تبين لنا طلاقة القدرة الإلهية في الخلق وما يحاوله بعض المشككين من البشر في وجود الخالق وقدرته عاجزون تمامًا أن يقفوا أمام عقولهم في لحظة مواجهة حقيقية لمعرفة ماهية الحياة وسر الكون فكل شيء مخلوق بقدر (الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا).

من أروع ما قرأت في هذا الشأن ما قاله فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في تفسير قوله تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الله خالقنا لعبادته وصانع الصنعة هو أفضل من يقنن لاستخدامها وصيانتها، وهو يمدك بالدليل المكتوب كيفية الاستخدام الأمثل لهذه الصنعة ( الكتالوج) فقد وضع أسلوب الصيانة البشرية فهو منهج إلهي يتلخص في: افعل ولا تفعل.. ولا ينبغي أن نجادل في قوانين هذا الكتالوج الإلهي أبدًا.

اللهم ثبت الإيمان في قلوبنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا وكن لنا عونًا ومعينًا وملهمًا لكل ما يسعدنا في حياتنا بقربك وبرضاك عنا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store