Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

البشير يذهب إلى لاهاي

A A
محكمة الجنايات الدولية دخلت على بلدان الشرق الأوسط من الباب الأفريقي عندما أعلن مجلس الوزراء السوداني، نهاية الشهر الماضي يونيو، قبوله بتسليم رئيس الجمهورية السابق، وعدد من معاونيه، الى المحكمة الدولية لتتولى محاكمتهم بتهم تتعلق بما وصفته المحكمة (إبادة جماعية) في دارفور والموافقة على نقلهم إلى لاهاي، حيث مقرالمحكمة بهولندا. وتعرضت المحكمة من سابق الى تهم بأنها تركز على الدول الأفريقية وتسعى لاعتقال بعض قادتها ومحاكمتهم.

وتعتبر المحكمة من المؤسسات التي تتبع النظام العالمي الليبرالي القائم، وصدر قرار بإنشائها عام 2002 كأول محكمة بصلاحيات لمحاكمة أفراد من مختلف أنحاء العالم، خاصة السياسيين، بتهم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العنصرية والاضطهاد العرقي والمذهبي وما شابه.

الملاحظ في قضية البشير أن السودان لم يكن من الدول التي وافقت على إنشاء المحكمة أو صادقت على ميثاقها (مشروع قرار إنشاء المحكمة صدرعن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1988 بأغلبية 130 دولة ومعارضة 7 دول هي أميركا وإسرائيل والصين والعراق وقطر وليبيا واليمن). وينص ميثاق المحكمة على أن صلاحياتها تكون في الدول التي أقرت ميثاقها ولا تستطيع محاكمها المحلية تولي المحاكمة لأي سبب. وبإمكان الدولة المعنية أن تحول الى المحكمة الدولية قضية ما أو أن يحول مجلس الأمن ذلك إليها. وفي الحالة السودانية اتخذ مجلس الأمن قراراً عام 2005 بتحويل قضية قيام الجنجويد بمهاجمة المواطنين السودانيين السود بدارفور فيما قيل إنه (تصفية عرقية) إلى المحكمة (امتنعت الجزائر والبرازيل والصين وأميركا عن التصويت على القرار). ووجهت المحكمة الى الرئيس السابق البشير عام 2009 خمس تهم جرائم ضد الإنسانية وتهمتين جرائم حرب، وفي عام 2010 أضيفت لها ثلاث تهم بجرائم إبادة جماعية. ورفض السودان حينها الاعتراف أو القبول بهذه التهم إلا أن الأمور تغيرت بعد الثورة السودانية عام 2019 وأعلن الحكام الجدد الموافقة على تسليم البشير وأعوانه للمحكمة الدولية (أحدهم كان قد سلم نفسه العام الماضي مباشرة الى المحكمة).

هل سيكون تسليم البشير ووزيري دفاعه وداخليته وغيرهم من المتهمين للمحكمة الدولية هو دخول لمنطقة الشرق الأوسط في مرحلة جديدة من هيمنة النظام العالمي الليبرالي والمحاسبة على ما يحدث داخل بلدان هذه المنطقة أم أنها إجراءات تكميلية لقرارات سابقة صدرت بحق حكام السودان عندما كانوا يستضيفون الجماعات الإرهابية داخل البلاد، ومنهم الإخوان المسلمون الذين تمتعوا بنفوذ واسع في عهد البشير. وتأتي هذه التساؤلات وسط الحراك الدولي القائم في مختلف أنحاء العالم لبناء قواعد جديدة لنظام عالمي يسعى الأميركيون الى أن تكون الهيمنة فيه لهم. بينما يعمل الصينيون وكذلك الروس على أن لا يتحقق ذلك.

فهل سنشهد معاملة إيران وليبيا والعراق ولبنان وسوريا وأمثالها بأسلوب محاكم دولية؟، وأن تتعدى الملاحقة قادة أفريقيا الى رقعة الشرق الأوسط ككل؟ أم أن ما نشاهده الآن ليس سوى زوبعة داخل فنجان السودان فقط، وإن كنت أشك في ذلك.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store