Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
منى يوسف حمدان

مهارات التفكير الناقد في حياتنا اليومية

A A
ليس من السهل التعود على إعمال العقل والتفكير بمنهجية علمية إن كنت متعودًا على التسليم للرأي السائد وعدم المناقشة والبحث والاطلاع.

والتفكير ملكة عظيمة مغيبة تمامًا عند الكثيرين وذلك لأن هناك خللا ما في أساليب التربية والتنشئة والتعليم الذي استمر سنوات طويلة يعتمد على التلقين والحفظ ومحاربة واضطهاد كل من يفكر أو يتساءل ويحلق في فضاء المعرفة والخيال ويتحدث عن معطيات خارج الصندوق.

كان الطالب المؤدب المطيع الذي لا يناقش ولا يتساءل والهادئ جدًا هو الطالب المثالي، وكانت الذكاءات المتعددة لا وجود لها، في مرحلة عمرية مضت عندما كنت على مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية كان بيينا طالبات يمتلكن أصواتًا جميلة ويحلمن بالاداء الصوتي، يمتلكن ذكاءً موسيقيًا عاليًا وهذا ما عرفت عنه -بنات المدينة- عبر برامج الأطفال في ذلك الزمان الجميل، دائمًا يتداعى إلى ذهني تلك المديرة -سامحها الله وغفر لها- تقف في الطوابير لتقوم بتوبيخنا وتهديدنا بالفصل من المدرسة وذلك زمان ولى، وكان لأبي -رعاه الله- وهو مدير مدرسة أيضًا دوره الذي لا أنساه تحدث مع مديرتي وألزمها باحترام القوانين وعدم تجاوز صلاحياتها وان الأمر بيده هو من يأذن لي بالذهاب مع الأطفال للتلفزيون وليست هي، ولا يوجد في النظام ما يمنع طفلة من ممارسة ما تهواه نفسها ويراها أبوها بارعة فيه ليعزز ثقتها بنفسها ويكسبها خبرات معرفية وتواصلا إيجابيًا مع مجتمع آخر غير مجتمع المدرسة المحدود.

اليوم كل صاحب موهبة له الحق في أن يظهرها ويفتخر بها ويجد من يتبناها ويرعاها.

التفكير الناقد يحمينا من التطرف يمينًا أو يسارًا، وإعمال العقل منهج رباني منّ الله علينا بنعمة العقل لنتفكر، والآيات الكريمات تدعو دومًا ذوي الألباب للتفكر والتأمل لنصل لحالة الخشوع والإيمان العميق بالخالق لابد أن نتفكر في ملكوت السموات والأرض لنصل للحقيقة الكاملة.

المتطرفون يمينًا أو يسارًا أولئك من سلموا عقولهم لغيرهم يتحكمون فيها كما يتم التحكم في الرجل الآلي أو جهاز التحكم عن بعد لتغيير القنوات وتحريك الأجهزة بلمسة زر، السيطرة على الأفكار تكون من خلال برمجة العقل وتقديس الأشخاص وإلغاء التفكير السليم ليحل محله الفكرة المراد توطينها في العقل فتحدث عمليات غسل الأدمغة وتجنيد الأشخاص لتحقيق مآرب شيطانية تستغل الضعفاء الذين لا يحملون هوية فكرية.

الجانب المضيء في الدماغ ينتظر أفكارًا مشرقة وبناءة تحلم وتحلق بعيدًا لعمارة الأرض وبناء الحضارات من خلال النمو الطبيعي للعقول البشرية بلغة الحب والمناقشة والحوار الإيجابي وفنون الإقناع المنطقي القائم على الحجة والبرهان ومن خلال الخبرات الإنسانية وتلقي العلوم المتخصصة في مجالات التفكير العالمية المعتمدة نضمن تنشئة أطفال أسوياء من خلال بيئات صحية داخل البيوت وفي المدارس، وإذا كان التفكير الناقد يتجه للتقييم فإن التفكير الإبداعي يؤكد على توليد الأفكار وتبنيها ورعايتها.

إن عملية التقييم تقود إلى انتاج الأفكار الجديدة أو الإبداعية، ومهارات التفكير الناقد تركز على السؤال وتحلل الحجج والبراهين ومن ثم الحكم على صحة ومصداقية المصدر، وهذا كله يتطلب استعدادًا للتعامل مع المواقف التي تواجهنا في حياتنا اليومية من خلال ذهن منفتح وعالم ببواطن الأمور ما بين السطور وما خلف الكلمات وتناول الأمور بكلياتها لا بجزئياتها مع القدرة التامة على طرح البدائل والتفكير وفق الموضوع والسعي إلى تقديم الحد الأقصى للعمل أو النشاط من خلال عقد المناقشات العلمية التي تقبل الرأي الآخر دون مصادرة الأفكار ومهاجمة من يتحدث واسكاته عن قول رأيه.. التفكير الناقد يتطلب التعرف على طرق البحث المنطقي التي تساعد في تحديد قيمة مختلف الأدلة من أجل الوصول إلى نتائج سليمة واختبار صدق تلك النتائج، وتقويم المناقشات بطريقة موضوعية خالصة.

الأبحاث والدراسات العلمية تؤكد على اننا قادرون على تعليم التفكير ومهاراته وفق تصنيفات علمية معتمدة عربيًا وعالميًا ولي تجربة مع عالم الموهوبين أتوق إليها دومًا ومن أجمل مراحل عمري المهني كيف كنا نعمل معًا من أجل رعاية الموهبة والتدريب على مهارات التفكير مع نخبة من الطلاب والطالبات أفخر بوجودهم في حياتي حتى هذه اللحظة وأعرف يقينًا انهم يمتلكون كنوزًا معرفية وطاقة إبداعية تسهم في تحقيق رؤية وطن هم الأمل في الغد المشرق لوطني بأفكار خلاقة إبداعية تجعلنا نعانق السحاب لوطن لا يقبل إلا القمم والعلياء.

أختم بمقولة لأينشتاين تروق لي كثيرًا (الخيال أكثر أهمية من المعرفة)، وقول كلورد برناد (ليست أفكارنا غير أدوات عقلية تساعدنا على تقصي الظواهر، وعندما تنتهي هذه الأفكار من أداء وظيفتها لابد من استبدالها مثلما نستبدل المشرط الذي أصبح غير قاطع بعد أن طال استعماله).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store