Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

رسالة إلى الفقهاء

A A
عندما خلق الله تعالى عباده لم يخلقهم عبثاً بل خلقهم لعبادته سبحانه كما في قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وبما أن العبادة تستوجب وجود مقومات حياتية تعين على أدائها كالغذاء والدواء والكساء وعمارة الأرض بالزراعة والصناعة والمعمار بمختلف صوره، فقد ذكر الله سبحانه ذلك في قوله تعالى (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) فالعبادة الحركية التي تتضمنها الشعائر المعروفة كالصلاة والصيام والزكاة والحج لن تتحقق على الوجه المطلوب إلا بعمارة الأرض بكل ما يحتاجه البشر لإقامة تلك الشعائر، ومن هذا المنطلق نجد أن الملة المحمدية المتمثل تشريعها في القرآن الكريم حثت على إعمار الأرض وإشغال العقل لاكتشاف نواميس الكون وأسراره واكتشاف الاحتياجات الحياتية في مختلف مناحي الحياة لكن اللافت للانتباه أن هذا التوجيه الرباني الكريم قد اصطدم بتشريعات بشرية ابتدعها بعض الفقهاء وتنامت حتى تضخمت تلك التشريعات البشرية جيلاً بعد آخر حتى أصبح التشريع الذي أكمله الله تعالى وأتمه في 600 صفحة أصبح ملايين الصفحات، كما في قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ونتيجة لذلك التضخم المتزمت تحولت الأمة الإسلامية بفضل بعض فقهائها إلى أمة عاطلة تعيش على منتج غيرها من الأمم بحجة أن منتجيها كفار.. ولعلي هنا أوجه رسالة ألم إلى مثل هؤلاء الفقهاء ممن تفرغوا لطرح الفتاوى التحريمية التكفيرية فأقول: أنتم تعلمون علم اليقين أن الله تعالى قد قال في كتابه (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) فالله سبحانه هو من يحكم وليس أنتم وتعلمون أيضاً أن من أراد منا ومنكم تحصيل العلم التخصصي الدقيق فلا بد أن يذهب الى بلاد الكفار ليحصل هذا العلم ومن أراد الحصول على أي نوع من المعلومات فعليه أن يلجأ إلى مصادر معلومات الكفار، وتعلمون أن السيارة التي نركبها نحن وأنتم، والكومبيوتر الذي نستخدمه، والهاتف المرافق لنا في كل زاوية من صنع الكفار وأن الدواء الذي نتطبب به من صنع الكفار وأن الطيارة والدبابة والمدفع والبندقية والمسدس من صنع الكفار .

وتعلمون أن علماء الكفار لايفتون بقتل أو تكفير أو تفجير من يخالفهم في المذهب أو الطائفة بل فرغوا أنفسهم وعلمهم لخدمة الإنسانية جمعاء من دواء وكساء وغذاء.. وأنه في بلاد الكفار لا يختبئ الكاذب والمسيء واللص منهم خلف أمور شكلية في جسده أو ملبسه.

ولتعلموا أن المسلم الحقيقي هو من ينشر الأمن والعدل والمساواة ومن ينتج من صنع يده ويكفي الناس شره ويحرص على عدم سفك الدماء بالقتل والتفجير ويخالف قول الله تعالى (أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) فهل تدبرتم كل مضامين هذه الآية الكريمة وماسبقها من آيات كريمات في هذا المقال.. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store