Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

خلوتي مع السيدة «قراءة»!

الحبر الأصفر

A A
دعونا اليوم نخفف حمولة المقال ونرمي همومه وضغوطه.. لذلك؛ سأهديكم بعض النواصي التي سجلتها أثناء خلوتي مع هوايتي وهي السيدة «قراءة».

* القراءة فروسية والقارئ فارس شجاع، لا يهاب خوض المعارك ضدّ الجهل والاستغفال.. وكلّما اتّسع ميدان المعركة وطال أمدها ازدادت خبرة الفارس القارئ في تطوير منظومة أسلحته الذكية والتكتيكية التي تضمن استمرار ملاحم الانتصارات البطولية.. لكن في حالات نادرة قد يتعرّض فارس القراءة إلى هزيمة مفاجئة خارجة عن إرادته، كما حدث للأديب الكبير نجيب محفوظ، الذي تحسّر في آخر أيام عمره قائلاً: (إن أكبر هزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف نظري).. يا إلهي ما أشجع أديبنا النجيب المحفوظ الذي كان شاهداً على 8 حروب منها حربان عالميتان متعدّدة الاحتلالات والجيوش المتصارعة على أرض مصر، و3 حروب مع إسرائيل، وحرب العدوان الثلاثي عام 56 ومعركة صغيرة حين تعرّض في الثمانينات لمحاولة قتل طعناً بسكّين جاهل لم يتردّد أديبنا بالصفح عنه.. رغم كلُّ هذه التراجيديا لم يشعر بالهزيمة إلا حين ترجّل قسراً من صهوة القراءة.

* الإنسان المحبّ للقراءة بطل شجاع، لا يعرف الهزيمة.. ولذلك يقول شيخنا الأديب أنيس منصور: (الإنسان القارئ لا يُهزم).

* القراءة لياقة فكرية يتفاوت معدّلها ومخزونها بين المحترفين والهواة، لذلك من المستحيل أن تطلب من أحد القرّاء المخضرمين أن يدلّك على كتاب تقرأه، لأنه سيرشدك إلى كتاب يتماشى مع لياقته العالية وأنت «لن تستطيع معه صبراً»، بمعنى آخر: قبل دخول عالم القراءة تحتاج إلى تحديد مستوى أو اختباراً على طريقة «التوفل»، لتعرف من أين تبدأ.

* قبل الشكوى من عزوف الناس عن القراءة، من الجيد أن تشرح لهم فوائد القراءة وعوائدها المعرفية أو جدوى مشروع القراءة، والقيمة المضافة التي سيدركها الإنسان إذا سلك طريق القراءة.. فمثلاً إذا أردنا أن نشجع الناس على الادخار فمن الجيد أن نذكر لهم «فوائد الإدِّخار وحسناته»، وإذا أحببنا أن ننشر ثقافة «المشي» فعلينا أن نوضِّح لأفراد المجتمع المكاسب التي سيجنونها من المواظبة على رياضة المشي.

وإذا أردنا أن يساهم المجتمع في الشركة الفلانية، فمن الجيد أن نشرح الفوائد والأرباح.. والأمر ينطبق تماماً على القراءة، لذلك إذا أردنا أن نشجع الناس على ممارسة «عادة القراءة» فعلينا أولا ًأن نعدِّد ونشرح ونذكر لهم الفوائد والعوائد والأرباح من ممارسة هذه العادة.

* أحاول أن أقرأ لمن اختلف معهم، وأقرأ أيضاً للأسماء التي لا أعرفها، أو لا تعجبني حتى أتعلّم.. أما إذا كنتُ أقرأ فقط لمن أعرفهم وأتفق معهم، فهذا يعني أنني مثل حمار الحقل الذي يستخدم نفس الطريق كلّ يوم، لذا هو يحرم نفسه من لذّة الاكتشاف ومتعة التعرُّف على الطرق الأخرى.

* لا تسألني: كم كتاباً قرأت؟ لأن القارئ الحقيقي لا يستطيع أن يعدّ الكتب التي قرأها، لأنها بالتأكيد أقلّ من الكتب التي لم يقرأها بعد، فالقراءة وسيلة للقارئ الجاد، وغاية للمتطفِّل الذي قرأ مرة بالصدفة عن موضوع محدّد، وقضى بقية عمره يحاضر الناس فيه، وهذه «العيّنات» من أدعياء القراءة والثقافة «كفشها» الألمان فقالوا عنها في أمثالهم: (وقانا الله شرّ من لم يقرأ إلا كتاباً واحداً).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store