Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

مطلوب مراكز دراسات عربية لتحليل المتغيرات الجديدة

A A
العرب بحاجة ماسة إلى مراكز بحث ودراسات، صحيح أن هناك عددًا منها إلا أنها لا تكفي، الدراسات والبحوث مطلوبة من أكثر من مصدر، حتى وإن تناقض طرح مصدر عن مصدر آخر، إذ يساعد هذا على تقييم النتائج بشكل أفضل مما لو كان المصدر واحدًا فقط.. هناك عدد من الكتاب الجيدين في أكثر من مجال سواء السياسة أو الاقتصاد وفي مجالات أخرى، إلا أن الدراسات والتحاليل تحتاج إلى بحث وتقصي أوسع.. ويتوزع هؤلاء الباحثون على أكثر من بلد عربي، ولبعضهم صلات في مجالهم مع مراكز أبحاث أوربية وأمريكية.. وأثارت أحداث أفغانستان المفاجئة بأسلوب إخراجها شهية الدارسين والباحثين لفهم ما يجري وكمثال على ذلك كتب طارق الحميد، رئيس تحرير سابق لصحيفة الشرق الأوسط، مقالًا يوم الأربعاء 18 أغسطس تحت عنوان (هذا وقت ترسيخ الوسطية) حلل فيه بشكل جيد كيف حارب الأمريكيون طالبان عشرين سنة لينتهوا بإعادة طالبان لحكم أفغانستان.. وينتهي في تحليله إلى أنه «لابد من القول إن وجهة النظر هذه، موضوع المقال، هي ليست فكرة مكتملة بقدر ما أنها دعوة للنقاش».

كما كتب صدقه يحيى فاضل، عضو مجلس الشورى مقالًا ممتازًا في جريدة (عكاظ) يوم الأحد 15 أغسطس بعنوان (موقف مراكز القوى الأمريكية تجاه العرب) وحدد فيه قائمة بأهم عشرة «مراكز قوى» بأمريكا وبنهاية المقال أشار إلى أنه «لابد من إجراء مسوح بحثية علمية» وأضاف: «ليت العرب يهتمون أكثر بإنشاء مراكز الدراسات والبحث العلمي التي تتخصص في دراسة أهم دول العالم، ومواقف مراكز القوى فيها تجاههم، وسياساتها نحوهم.. فهذه مواضيع حيوية بالغة الأهمية، وتستحق التوسع في إقامة ودعم المزيد من مراكز البحث العلمي المتخصصة».. العرب يتلقون كمًا ضخمًا من الدراسات والبحوث التي تجريها مراكز في أمريكا وبريطانيا وأوربا، ويحتاجون إلى أن يدققوا فيما يصلهم ليتمكن أصحاب الرأي والقادرين على البحث والتقييم من العرب أن يستخرجوا الحقيقة من كل هذه المعلومات والتحاليل.. ومثل هذا الأمر سيخدم كل مهتم في كل المجالات أكانت الاقتصادية أو السياسية أو الصحية أو المناخية وغيرها مما أصبحت ذات أهمية كبرى في حياتنا ومما أصبح من الأهمية أن نتوقف عن تقبل كل ما يصلنا ونبدأ تحليله بتجرد.

المرحلة الحالية في العالم تشبه إلى حد كبير مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.. حينها كانت الدول الاستعمارية خاصة بريطانيا وفرنسا مازالت تهيمن على مقدرات كثير من الشعوب في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وسعى الأمريكيون لإقناع البريطانيين الانسحاب من الخليج ومناطق عدة في الشرق الأوسط، لكن حزب المحافظين الحاكم لم يتجاوب حينها للرغبة الأمريكية.. وعندما جرت الانتخابات البريطانية وصعد حزب العمال البريطاني إلى الحكم أعلن رئيس وزرائه هارولد ويلسون، الانسحاب من شرق السويس، أي من عدن وعمان والكويت وما أصبح الامارات وقطر والبحرين، وحلت شركات أمريكية محل المصالح البريطانية وتحقق لأمريكا ما أرادت.. وهذه فترة تستحق الدراسة لغرض المقارنة بأحداث اليوم إذ إن أمريكا كانت حينها هي المحرك للكثير من الأحداث، وتسعى الآن لإحداث تغيير يصب في مصلحتها في مواجهة الصين، بما في ذلك بأفغانستان.. إذ لا يعقل أن تعيد أمريكا التي احتلت أفغانستان منذ عشرين سنة وأخرجت طالبان من الحكم، أن تعيد البلد الآن إلى نفس الطرف الذي شنت الحرب عليه، وأن تنسحب تاركة قاعدة عسكرية ضخمة بأسلحتها وذخيرتها وكميات هائلة من الدولارات الأمريكية في صناديق وتتفرج بدون حراك على جيش أفغاني من حوالي ثلاثمئة ألف رجل يستسلم هو الآخر لحركة طالبان ويسلمها أسلحته بما فيها الطائرات، (التي حرصت طالبان على ألا تستخدمها حتى الآن).. لا يمكن أن يتم هذا كله بدون أن تكون لأمريكا أهداف خاصة بها من جعل طالبان تحكم أفغانستان مجددًا.

ومؤخرًا كتب باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، كتابًا عنوانه (الأرض الموعودة) خصص فيه فصلًا لما أسماه «ثورات الربيع العربي»، وقال إنه قرأ كتابًا مؤلفته سمانثا باور (مسؤولة الآن بإدارة بايدن عن وكالة التنمية الأمريكية للمساعدات) أثر فيه، ينقد السياسات الخارجية الأمريكية التي فضلت، كما قالت، ثنائية الاستبداد - الاستقرار على ثنائية الديمقراطية – التغيير.. ويقول أن هذا الكتاب جعله يضم كاتبته إلى فريقه الرئاسي الذي تعامل مع «ثورات الربيع العربي».. وقد تشير هذه المعلومة إلى استمرارية التوجه الليبرالي الأمريكي لتنفيذ سياسة «الفوضى الخلاقة» التي أنتجت دمارًا كاملًا لعدد من المجتمعات العربية.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store