Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عبدالله صادق دحلان

الدكتور سائق «الأوبر»!

A A
من أجمل الدروس التي تعلمتها وأنا في شبابي هي درس الاعتماد على النفس وعدم الاتكال على الآخرين حتى لو كانوا الوالدين، وكنت على قناعة كاملة بأن الاعتماد على النفس بكل صعوبات الحياة بناء قوي في الأساس للعمران الشاهق وكما قال لي أستاذي في الجامعة عندما كنت أشكو له معاناتي مع ظروف حياتي الاقتصادية ومتاعبي مع العديد من المعوقات في الحياة، فكان يقول حكمته التي لم أنسها خلال الخمسين عامًا «إن الأشجار الشاهقة والمثمرة لا تنمو وترتفع ولا تقوى جذورها في الأرض إلا إذا واجهت الرياح والرعد والبرق والأمطار والثلوج».

وكما يفعل قدامى المزارعين في مصر وإفريقيا يوقدون النار بقرب جذوع الشجر لتسخينها ثم بعد أسابيع تبدأ الأشجار في إخراج أزهار الثمرات.

والمقصود أن الحياة الصعبة هي التي تخلق المبدعين فكم من قصص النجاح لبعض المبدعين رجال أعمال ورؤساء شركات ورؤساء دول ووزراء ومبتكرين عانوا في بداية حياتهم فمنهم من عمل عامل نظافة أو جرسونًا في مقهى، أو مطعم أو بائع صحف أو سائق تاكسي وغيرها من الأعمال الصعبة فكافحوا وتجاوزوا الصعاب حتى أصبحوا علامات بارزة في المجتمعات التي عاشوا فيها وكتبوا قصص الكفاح والنجاح.

أكتب هذه المقدمة بعد أن سجلت إعجابي وتقديري لأحد الشباب السعودي ومثله كثير لكنني لم أتعرف عليهم، وبمحض الصدفة كنت في زيارة لأحد المستشفيات في مدينة جدة وطلبت من سائقي الانتظار في المواقف العامة للمستشفى، وبعد انتهاء زيارتي بحثت عن سائقي فلم أجده وطال انتظاري فطلبت ولأول مرة سيارة أوبر وبعد دقائق وصلت السيارة من الفئة المتميزة وكان قائدها شخصية متميزة وعلى خلق وثقافة عالية ودار حوار علمي بيني وبينه تمنيت لو كان المشوار من المستشفى الى مكة المكرمة لأستمتع بالحوار الراقي والذي تأكد لي أنني مع قائد سيارة أوبر متميز وليس إنسانًا عاديًا، وبعد إلحاح شديد لأن أتعرف عليه وعلى طبيعة عمله وعلمه -مع التعهد بعدم ذكر اسمه- وإذا بي أمام دكتور جامعي خريج الولايات المتحدة من أحد الجامعات المتميزة، ويعمل دكتورًا في أحد الجامعات السعودية بجدة خصص خمس ساعات يوميًا من وقته لأن يقدم خدمة أوبر والتي اختارها لتساهم في تحقيق حلمه في شراء منزل جديد بقسط شهري خمسة عشر ألف ريال وفعلًا كما يروي لي بأنه يعمل سبعة أيام في الأسبوع ليحصل في المتوسط خمسمائة ريال يوميًا.

قصة كفاح رائعة في عمل حر لتحقيق هدف سامٍ في حياته لتملك منزل له ولعائلته الصغيرة.

كم هو جميل أن نتخلص من بعض قيود المجتمع القديمة ونعمل عملًا شريفًا ولائقًا لنحقق أهدافنا في الحياة.

لقد أعاد لي هذا الدكتور ذكرياتي وأنا طالب في جامعة الملك عبدالعزيز في بداية السبعينيات عندما اشتريت سيارة بالتقسيط ولا أملك قيمة التقسيط فحولتها إلى سيارة أجرة خاصة بدون لوحة أجرة لنقل زملائي طلبة جامعة الملك عبدالعزيز من مكة المكرمة إلى جدة إلى مكة يوميًا مقابل قيمة القسط أربعمائة ريال، وفي الإجازات ونهاية الأسبوع أتصيد زبائني أمام مطار الملك عبدالعزيز بجدة القادمين من السفر والمتجهين الى مكة المكرمة، وقد كانت أجمل الأيام وبنيت أجمل الصداقات مع ركابي وكان للريال بركة أكثر من الألف اليوم.

وبكل فخر واعتزاز أعرض اليوم هذه القصص لأبنائي طلبة الجامعات وموظفي القطاع الخاص والعام بأن من أراد تحسين دخله بعمل شريف ولائق فلا يمنعه شيء وليضع رأي الآخرين على جانب ويفكر في مستقبله أولًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store