Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

ضحية العمل عن بعد

A A
حين هاتفتني طلباً للمشورة، تجلت البراءة من لكنتها القروية ونبرتها المتهدجة، قائلة؛ «جتني رسالة واتس آب لامرأة تدعي أنها سيدة أعمال وعرضت عليّ (العمل عن بعد) مقابل ١٠٠٠ إلى ١٥٠٠ ريال إذا شديت حيلي، وكل اللي أسويه أعطيها رقم آيبان حسابي البنكي ليحول عليه الزبائن قيمة أجهزة كهربائية وألعاب فيديو (بلايستيشن)، وبالفعل وردتني حوالات يصل مجموعها قرابة ٣٠ ألف بالشهر، وقد حولتها جميعاً لحساباتها البنكية التي لم أكن أعرف سر تغييرها كل فترة»!

وتكمل الضحية متنهدة؛ «بعد ثلاثة أشهر تلقيت استدعاء الشرطة، لأفاجأ أن أحد زبائن المرأة قدم بلاغًا ضدي لعدم استلامه الجهاز الذي اشتراه، لأوضح للشرطي أنه لا ذنب لي فأنا لم أتعاقد معه ولم أبع عليه شيئًا وأنني أتلقى المبالغ فقط بحسابي ثم أحولها للمرأة، وقد تعاونوا معي وأخذوا كل أرقامها ووعدوا بالقبض عليها سريعاً، لكنني حين راسلت المرأة وأبلغتها أنني اكتشفت نصبها، غضبت كثيراً، وقالت: إنها (واصلة) وسوف تحظر رقمي، مرددة أن (القانون لا يحمي المغفلين)»!!

في تصوري أن هذه الضحية وقعت بفخ الاحتيال المالي ليس فقط لخبث ودهاء الجانية، وإنما لعدم الاهتمام بتوعية أفراد المجتمع، حيث كان يتعين على الموارد البشرية نشر أحكام الدليل الإجرائي للعمل عن بعد، عبر رسائل إرشادية وتنويرية قصيرة SMS لضمان وصولها لعموم الناس، أو بسنابات سريعة يقدمها أحد المحامين المتمرسين. كان يفترض أن تقرأ هذه الضحية قبل وقوعها بالفخ رسالة قصيرة تقول: عزيزي الباحث عن عمل؛ يشترط لتوظيف العاملين عن بعد توثيق عقودهم بالبوابة الإلكترونية التي تحددها الوزارة.

كان يفترض أن تشاهد سنابة إرشادية مفادها؛ إن الحد الأدنى للأجر ٤٠٠٠ ريال ليتم احتسابه في نسبة التوطين ببرنامج (نطاقات).. كان يفترض أن تردها رسالة أخرى تقول: التسجيل بالتأمينات شرط مسبق لأي عامل عن بعد سواء بدوام جزئي أو كامل.. كان يفترض أن تمر عليها سنابة توضح بجلاء أن العامل عن بعد يخضع لإجراءات اللائحة التنفيذية لنظام العمل.

لقد اطلعت على رسائل الضحية مع المرأة التي نصبت عليها والغالب من صيغتها؛ أنها لنصاب كبير، وربما من خارج المملكة، خاصة وأن الضحية أكدت بأنها لم يسبق أن كلمتها صوتيًا، وإنما بمحادثة الواتس آب، مما ينبئ بظهور ضحايا أبرياء جدد لموجة (العمل عن بعد)، ضحايا كل ذنبهم أنهم بحثوا عن عمل شريف يحسنون به دخلهم المعدوم أو المتواضع لمواجهة أعباء المعيشة المتزايدة.

كلنا ثقة بالجهات الرسمية للوصول للجناة، الذين غالبًا ما يكونوا من جنسية عربية، والذين فتحنا لهم -بعدما جارت عليهم الدنيا- قلوبنا قبل بلادنا، فكافأنا البعض منهم بالطعن في ظهورنا!

وكلنا أمل في المقابل بالموارد البشرية للاهتمام بوسائل نشر الثقافة القانونية، وإلا فإن الباحث عن عمل لن يجني المال، وكل ما سيجنيه؛ صورة باهتة وهو ببدلة السجن المقلمة حاملاً بين يديه لوحة كتب عليها رقم قضيته ووصف لجريمته؛ (ضحية العمل عن بعد)!.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store