Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

دبلوماسية الرياضة.. أداة جديدة تكتسبها المملكة

A A
تكتسب الخطوة التي أقدمت عليها المملكة مؤخراً عبر صندوق الاستثمارات العامة بشراء نادي نيوكاسل سيتي الإنجليزي أهمية بالغة بسبب المكاسب العديدة التي سوف تنجم عنها -بإذن الله- وإمكانية استخدامها لتحقيق نتائج أخرى تفوق في أهميتها قيمة المكسب الرياضي أو الأرباح المادية، وذلك نتيجة لما باتت تمثله الرياضة من تأثير بالغ في حياة مختلف شرائح المجتمعات المعاصرة، وما اكتسبته من حيوية، حتى باتت أخبارها تغطي على ما دونها من أخبار.

بدءاً ينبغي القول إنه بمجرد إعلان نبأ استحواذ الصندوق السعودي على ذلك النادي العريق حتى تسابقت وكالات الأنباء العالمية والصحف الغربية على نقله، وأسهبت في تحليل تفاصيل الخبر والنتائج المتوقعة على الفريق الرياضي مستقبلاً، وتطرقت -بطبيعة الحال- إلى الإمكانات المادية الكبيرة التي تملكها السعودية.

هذه التغطية الإعلامية المكثفة جعلت الرياض في صدارة الاهتمامات العالمية، ليس في بريطانيا وحدها بل في جميع أنحاء العالم.

هذا في حد ذاته يعد مكسباً كبيراً، لأن إحداث تغطية إعلامية بهذا الحجم يحتاج إلى عشرات الملايين من الدولارات، وحتى إذا تم إنفاق هذا المبلغ فإن النتائج لن تكون عظيمة كما تحقق، لأن الحملة الإعلامية التي حظيت بها المملكة بعد إكمال عملية شراء النادي كانت عفوية وتلقائية وغير مصطنعة، شاركت فيها شخصيات رياضية عالمية تحدثت عن الآثار المتوقع حدوثها في المستقبل القريب، بعد أن يضخ الصندوق مبالغ مالية لتطوير الفريق وعقد صفقات مع لاعبين مؤثرين يعيدون له أمجاده العريقة ويسهمون في تحسين وضعه على لائحة الدوري.

كم كان لافتاً تسابق الفضائيات ووكالات الأنباء على نشر صور المشجعين الانجليز وهم يرتدون الشماغ السعودي المميز، تعبيراً عن مشاعر الفرح التي تملكتهم، ويتحدثون بمنتهى التفاؤل عن توقعاتهم المستقبلية ورغبتهم في تحقيق النجاح.

ونسبة لما تمتلكه الرياضة من قوة تأثير على الرأي العام -كما أسلفت- فإن المكاسب التي سوف تترتب على إسهام السعودية في هذه المحافل العالمية سوف تكون متنوعة ومفيدة، فبالإمكان استغلال قمصان اللاعبين للترويج لشركات سعودية عملاقة، وهو ما سيجذب انتباه المشجعين ويحفز فضولهم للبحث عنها في مواقع الإنترنت، وهنا ينبغي التركيز -من وجهة نظري- على الترويج للمناطق السياحية الضخمة التي تمتلكها المملكة، والمدن الذكية الحديثة التي يجري إنشاؤها مثل نيوم وغيرها.

ولن تقتصر النتائج الإيجابية المتوقعة على المملكة فقط، بل سوف تتسع لتشمل تصحيح صورة الإسلام وإلقاء الضوء على تعاليمه السمحة، فقد سمعنا في مرات كثيرة بدخول كثير من المشجعين في الدين الإسلامي بعد تأثرهم بلاعبين مسلمين مثلوا لهم قدوة أو حققوا لهم السعادة بإنجازاتهم واجتهادهم.

وكما هو معلوم فإن أعداداً كبيرة من الغربيين لا تعرف عن المجتمعات العربية إلا الصورة المزيفة التي تحاول بعض الدوائر المعادية ترويجها، وتكرس في أذهان العامة والبسطاء أن المواطن العربي عبارة عن إنسان جشع أو متخلف أو إرهابي، إلى غير ذلك من الافتراءات.

الآن يمكننا استخدام هذا المنبر الجديد الذي امتلكناه للتعبير عن أنفسنا بحرية، وتقديم صورة صحيحة عنا، وتبيان ما قدمناه من إسهام حضاري وثقافي للإنسانية خلال القرون الماضية، وقدرتنا على الانفتاح والتعامل الإيجابي مع العالم أجمع.

ولأن بلادنا تواجه بين الحين والآخر حملات مضادة تقودها جهات معادية، فإن الفرصة متاحة للرد على تلك الترهات بطريقة عملية، عبر التفاعل الإيجابي مع الآخر، وسيجد الآخرون أن هذا الشعب العظيم يمتلك القدرة على تحقيق النجاح وأنه ليس منطويا أو منكفئا على ذاته، ولا يعاني من العزلة وهذا يمثل حائط صد منيع للأفكار السلبية المسبقة التي تحملها بعض المجتمعات الغربية عن العرب والمسلمين ويسهم في إيجاد صورة حقيقية ورأي عام إيجابي.

هذا النوع من الاستثمار الحديث ما كان له أن يتحقق لولا رؤية المملكة 2030 التي كسرت حاجز المألوف، وجاءت بأفكار عصرية مستحدثة، وفتحت آفاقا واسعة وركزت على زيادة التواصل مع الآخرين، وعملت على تفعيل ما بات يسمى بـ «القوة الناعمة» التي هي أقصر الطرق للوصول إلى قلوب الآخرين وأقلها تكلفة.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store