Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

أين حكماء السودان؟

A A
عندما خرجت الجماهير في شوارع السودان تطالب بخروج عمر البشير وزمرته من حكم البلاد وتغيير النظام السوداني كانت المفاجأة وقوف السلطات العسكرية الى جانب الجماهير الثائرة وإرغامها عمر البشير على الخروج من السلطة وإبعاد حزبه عن مقاليد الحكم. وهذا أمر مهم على المتذمرين اليوم من العسكريين في شوارع الخرطوم أن يتذكروه حيث إن الثورة قامت بمشاركة فيما بين المدنيين والعسكريين وليس هناك داع للدعوة الى الانفصال بينهما.

وكانت هناك خارطة طريق رسمتها القيادات السودانية التي شاركت في الثورة حيث تبنى الجميع صيغة شراكة بين المدنيين والعسكريين للفترة الانتقالية (ثلاث سنوات) تقود الى انتخابات تؤسس للتجربة الديمقراطية الجديدة، ومن ضمنها تشكيل حكومة من التكنوقراط وتخلي الأحزاب عن المطالبة بحصص في التشكيل الوزاري.

للأسف تشكلت حكومة محاصصة بين بضعة أحزاب، وكان هذا أول خطأ وقع فيه الحزبيون، ثم تتالت المنازعات والمناكفات بين مختلف قوى «الحرية والتغيير» وهناك من قال إن المحاصصة في مجلس الوزراء مثلت انتهاكاً للوثيقة الدستورية بينما تقول المجموعة الحاكمة إنه تم تعديل تلك الوثيقة بحيث يتاح للأحزاب أخذ حصص في الحكومة، في حين أن الصيغة الأولى كانت تنص على تشكيل حكومة من الكفاءات المهنية وإبعاد الأحزاب السياسية عنها.

ويبدو أن الهدف من الوثيقة الدستورية التي استبعدت المحاصصة كان يستهدف دفع الأحزاب للتفرغ للانتخابات القادمة في نهاية الفترة الانتقالية عوضاً عن البحث عن مغانم في مجلس وزراء مؤقت، إلا أن أطماع بعض السياسيين ليس المشاركة في (الكعكة) الحكومية فحسب وإنما في أن تمكنها سلطاتها الحكومية من دفع عجلة الانتخابات القادمة لمصلحتها.

وتسبب هذا التصرف في تشرذم قوى الحرية والتغيير.

من الطبيعي أن يحدث خلاف بين المكون العسكري والمكون المدني بعد أن هددت مسيرة الفترة الانتقالية المشاحنات والمكايدات والتي أدت الى شكوك من الجميع تجاه الجميع وسعي بقايا نظام عمر البشير بما فيهم فلول حزب المؤتمر الوطني الذي كان يحكم السودان خلال عهد الرئيس المخلوع عمر البشير الى توسيع رقعة الخلاف وتأجيج المشاعر وزيادة سوء الفهم بين الأطراف داخل قوى الحرية والتغيير وأيضاً بين هذه القوى والحكومة من جهة والمكون العسكري من جهة أخرى.. المطلوب الآن الدخول في حوار داخل قوى الحرية والتغيير لتعديل مسار هذه القوى وتعديل مسار الحكومة التي تعاني من المحاصصة داخلها، وربما يكون أحد الحلول انسحاب الأحزاب من الحكومة والعودة الى صيغة حكومة من التكنوقراط، لأن توسيع الحكومة لتشمل المزيد من الأشخاص والأحزاب سيؤدي الى المزيد من التعقيدات في مسار الديمقراطية القائم.

ومن الأفضل للأحزاب أن تتفرغ للانتخابات القادمة وتسعى لرص صفوف المنتسبين لها وزيادة أعدادهم ووضع برامج حزبية تجذب الناخبين وتحدد السياسات التي ستتولى الحكومة القادمة تنفيذها.

كما أن العلاقة بين المكونين المدني والعسكري بحاجة الى جلسات مصارحة وتوضيح خطوط العلاقة فيما بينهما، وسيكون على المكون العسكري القبول بأن دولة العسكر انتهت بنهاية عمر البشير وأن دور العسكر الآن أن يكونوا حماة للأمن ومدافعين عن الوطن وداعمين للتوجه الديمقراطي بينما يتولى المدنيون إدارة السياسة وبناء الوطن وتنشيط الاقتصاد وتصحيح مسيرة التعليم وإعادة بناء مجتمع سوداني أكثرحداثة.. ولكن هذا بحاجة إلى حكمة حتى يكتمل، والسودان يمتلك العديد من الحكماء الذين حان دورهم.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store