أحسب من باب المجاملة أن البعض يعتبرني أديبًا لكوني أكتب أحيانًا في الأدب خاصة عندما ألفت كتابًا عنوانه «أضواء أدبية»، وعجبت يومًا أن اتصلت بي طالبة من إحدى جامعاتنا تستأذنني أن يكون بحثها في مرحلة البكالوريس عن أسلوب كتابتي في المقالات، وخلصت في حديثها أنه -أي أسلوبي- يصنف من السهل الممتنع والذي لا تقتطف ثمرة عنوانه عند القارىء إلا في آخر المقال وأحيانًا تضيع في دهاليز الحروف.
وكان صديقي الدكتور عاصم حمدان -رحمه الله- يزودني بكل ما له علاقة بالأدب والكتب الأدبية سواءً له أو لبعض الأدباء لعدم تفرغي، وانشغالي بالأبحاث التجريبية البيولوجية مما أوجد عندي حصيلة متميزة عن أدباء المدينة المنورة ومكة المكرمة، ولقيت بدون سابق ميعاد الزميل الدكتور محمد دماس الغامدي وتطرقنا إلى الشخصيات الأدبية في الحجاز وذكر لي اسم شخصية أدبية قرأت عنها لمامًا وهو المربي والأديب الفاضل سعد عبدالله المليص، وزودني مشكورًا بكل ما كتب عنه، وقد لفت نظري في شخصيته أنه صاحب روحانية عالية ولعل ذلك يعود لأنه من مواليد مكة المكرمة مما أكسبه تلك الروحانية التي صقلت شخصيته بالارتباط والتعلق بدينه وربه وتمرير حياته وتوظيفها لأن تخدم آخرته وعمل على ذلك من خلال كل المهام والوظائف التي أسندت إليه لدرجة أنه يتمثل الأسلوب العملي لأن يكون طلابه ومن تحت يده مدربين على الالقاء والخطابة ومزاولة التعليم من خلال التدريب، بل عندما عاد إلى ديرته ومنطقته ذاع صيته فكان مؤسسًا للتعليم فيها بل أخبرني البعض أنه كان يعمل جاهدًا أن يتواصل مع بعض أبناء منطقته ممن كان ينشغل في أعمال الرعي ويحرص على تعليمهم وبهذا يعتبر هو الرائد الذي أسس وبنى من أهل منطقته رجالاً للتعليم ومد الوطن بهم، وكان جهده في هذا يعرفه القاصي والداني، وهذه الميزة -بذل الجهد في تعليم من يعيشون في البادية- ذكرتني برائدين من رواد التعليم في وطننا هما السيدان علي وعثمان حافظ اللذان كان لهما الفضل في انشاء أول مدرسة ابتدائية باسم مدرسة الصحراء في المسيجيد في إحدى القرى القريبة من المدينة المنورة في زمن مبكر جدًا من التعليم على غرار جهد الشيخ المليص في الباحة وتواصله مع أبناء قريته وحثهم على التعليم، ولعمري ان حرص معلمو المدارس في ذلك الزمان في كل مناطقنا سيخلد التاريخ ذكراهم بماء الذهب لما بذلوه من صدق وحرص في تعليم ذلك الجيل ولضيق المساحة المتاحة للمقال حرصت أن اتطرق إلى خصلتين مهمتين شكلتا شخصية المربي الفاضل سعد المليص هما روحانيته التي استقاها من مكة المكرمة مصدر الروحانيات الربانية من ترددات الاذان المكي على القلب ومن تأثيرات تلاوات أئمة الحرم المكي ومن أجواء الطواف والمسعى وزمزم وصلاة التراويح والجمعة والجماعة كل ذلك يسقي الروح غذاءً والعين دمعًا، والخصلة الثانية هي تعليمه الذي استلهمه من مواصلة دراساته ثم بنى فيه الأجيال في منطقته مصحوبًا بالتربية التي عهد بها ونال بها جوائز وشهادات جاء ذكرها في سيرته الذاتية، أما جهده الأدبي المتميز الذي أثنى عليه فيه أناس كثر مما أهله أن يكون رئيس نادي الباحة الأدبي فقد جاء ذكر ذلك فيما كتب عنه بتوسع في مقالات وكتب كثيرة لذلك لم أسلط عليها الضوء، فغفر الله له وجعله في مقعد صدق عند مليك مقتدر وبارك في عقبه من بعده وقد ألمحت في كتابات سابقة عن بعض شخصياتنا التاريخية في الأدب والتعليم وسأذكر بعضًا منها لاحقًا إن شاء الله استدامة لفضلهم وتخليدًا لذكرهم.