Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

300

A A
تاريخ الطيران المدني في الوطن مليء بالإنجازات الرائعة ومنها مكونات أسطول الخطوط. وإحدى الطائرات التي لم تحظَ بنصيبها اللائق من الاهتمام التوثيقي هي طائرة الإيرباص 300 التي انضمت إلى السعودية في بدايات عقد الثمانينيات. وقبل الخوض في بعض من تفاصيل الطائرة، لا بد أن ننظر إلى التاريخ العجيب للشركة. والصحيح هنا هو أنها لم تكن شركة بالمفهوم المحاسبي، بل كانت «مجموعة» أوربية كبرى في مجالات الطيران والفضاء. كان الهدف هو «لم شمل» قطاع الطيران الأوربي ومكوناته مثل شركات «هوكر سيدلي» البريطانية، و»نورد» و «بريجيه» و»سوود» الفرنسية، و»مسرشميت» الألمانية، و»كازا» الإسبانية لتعظيم مميزاتها التنافسية. وكلها حصلت على الدعم الحكومي من خلال اتحادها لإنتاج طائرة تجارية متميزة لكسر الاحتكار الأمريكي الذي تربع قمة سوق الطيران التجاري من خلال شركات «بوينج»، و»دوجلاس»، و»لوكهيد» في عقد الخمسينيات والستينيات الميلادية. ولكن الموضوع لم يكن بهذه البساطة، فمجموعة إيرباص لم تكن جديدة بالكامل لأنها كانت وليدة إرث تقني في قمة التميز.. كانت من «بنات» طائرة «الكونكورد» البريطانية الفرنسية المشتركة التي انفردت في تاريخ الطيران المدني الغربي بالتحليق بسرعة هائلة تفوق ضعفي سرعة الصوت وعلى ارتفاعات تصل إلى ستين ألف قدم.. أي أن أداءها التجاري بتقنية الستينيات أثناء حملها لمائة راكب كان يتفوق على معظم الطائرات المقاتلة في السرعة والارتفاع إلى اليوم. وكانت «الكونكورد» متفوقة أيضاً في العديد من منظومات الطيران التي كانت سابقة لأوانها في المحركات، وأجهزة التحكم، والملاحة، وتكييف ضغط المقصورة وغيرها.. وباختصار كانت خبرات تصميمها، وتصنيعها، وتشغيلها ضمن مكاسب الإيرباص. وجاءت أولى طائرات المجموعة بفلسفة أداء مفادها الاقتصاد، تحديداً، فركزت على نقل عدد كبير من الركاب بسرعات معقولة منافسة وبأقل تكلفة.. حوالي ثلاثمائة راكب بمحركين نفاثين فقط.. ولذا أطلق عليها اسم «ايرباص 300». وكانت من ذوات الجسم العريض إذ كانت مقصورتها تحتوي على ممرين... وكان عرض المقصورة يعادل حوالي تسعين بالمائة من قطر مقصورة البوينج 747 التي كانت أكبر الطائرات التجارية في تلك الحقبة الزمنية. وحقق ذلك البدن العريض إمكانية حمل أعداد كبيرة من الركاب، والبضائع تحت أرضية مقصورة الركاب. وكانت فلسفة الطائرة جديدة وجريئة في مطلع السبعينيات. لم تتقبلها معظم الشركات ولذا فوجدت مجموعة إيرباص تحديات كبيرة في بيعها، وبالذات في الولايات المتحدة. كانت فرق التسويق تمارس ما يمكن وصفه «بالشحاذة الراقية» وكانت مدعومة بالقروض شبه الحكومية الميسرة جداً... بل كانت أقرب إلى نظام الشراء من دكان الحارة بدفع «الشُكُك». ومما زاد «الطين بلة» أن أسعار الوقود العالمية ارتفعت ارتفاعا هائلاً مع فترة تقديم الطائرة في مطلع السبعينيات مما تسبب في أزمة تسويق كبرى للطائرات العملاقة. ولكن ذلك التحدي تضاءل مع اقتحام إيرباص للسوق الأمريكي ببطء في نهاية السبعينيات بسبب بعض من أغرب العقود لتسويق الطائرات.

ونعود للإيرباص السعودية ففي عام 1984 كانت الخطوط هي الشركة الأولى في العالم المشغلة للطراز المطور 300 «أم 600» وكانت تتميز بتحسينات عديدة وتقنيات متطورة جداً في أنظمة القيادة، والتحكم، والدفع، والملاحة، والمناورات... وكانت أيضاً تحتاج إلى شخصين فقط لقيادتها بدلاً من ثلاثة كما في الطرازات السابقة. وأصبحت بطلة الخطوط المحلية والإقليمية ومهدت الطريق لتصبح الإيرباص هي الطائرة الأكثر تواجداً في سماء الوطن اليوم.

أمنيــــــة

كما ذكرت في مقالات الطيران والطائرات السابقة، أن سر النجاح في الطيران لا يكمن في الطائرات، وإنما في السواعد والعقول المخلصة التي تشغلها وترعاها بعد الله. ولذا فهذه وقفة شكر واعتزاز بالكباتن المتميزين الذين شغّلوا هذه الطائرة بأمان ونجاح ومنهم: غسان حكيم، ومحمد عبد الرؤوف خان، ووحيد رضوان، وعبد الله وزنه، ود. محمد برنجي، والمرحوم فهد السعيد، والمرحوم عمار جمجوم... أكرمكم الله وزملاءكم أيها الأفاضل، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store