Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سلطان عبدالعزيز العنقري

توطين العقول

A A
معظم البلدان المتقدمة، إن لم نقل جميعها، أعتمدت وتعتمد على سياسة توطين العقول الأجنبية، وذلك من أجل دفع عجلة التنمية في أوطانها، من خلال المبدعين والمتميزين في الابتكارات والاختراعات والاكتشافات، فأصبحت الدول تصدر الصناعات ولا تستوردها.. توطين العقول المبدعة والمتميزة هو في الحقيقة استثمار لا يضاهيه أي استثمار آخر، وهو محور مقالنا لهذا الأسبوع.. فكوريا الجنوبية، كدولة نامية، على سبيل المثال، لا توجد لديها أي ثروات طبيعية، كالغاز أو البترول أو غيرها من الثروات، كما تعاني من اكتظاظ سكاني، حيث يعيش سكانها في مساحة صغيرة، كونها مفصولة عن أختها كوريا الشمالية، والتي توطن العقول في مجال أسلحة الدمار الشامل، وشعبها تحت خط الفقر! كوريا الجنوبية وما تعانيه أصبحت دولة صناعية تنافس الدول المتقدمة، ومنها اليابان والصين وغيرها، والسؤال الذي يطرح نفسه كيف أن دولة من دول العالم الثالث تصعد في صناعاتها وبقوة إلى مصاف الدول الصناعية العملاقة؟!

وللإجابة على تساؤلنا نقول أن الكوريين قاموا بـ»توطين العقول»، فبحث الكوريون واستقصوا وذهب مندوبيهم إلى جميع الدول المتقدمة، وغيرها من الدول النامية، والأقل نمواً، لاستقطاب هذه العقول، وتم لهم ذلك مع العلماء والمبدعين والمتميزين في مجال الاختراعات والابتكارات والاكتشافات، سواء في مجال الصناعات المختلفة أو غيرها من المجالات، والتي تجعل كوريا تنهض وتصبح من نمور آسيا.. فالكوريون الجنوبيون يختارون ويتواصلون مع هذه العقول، ويعرضون عليها (الإغراءات المادية، والسكن الفخم المجاني، والحوافز المغرية، والبدلات، والتعليم لأولادهم، والرعاية الصحية)، وغيرها من الإغراءات، والتي يسيل لعاب كل عالم مبدع، ويجعله لا يتردد لحظة واحدة في قبول «التوطين» في وطن مغاير لأوطانهم.. الجانب الآخر وهو تسهيل الاستثمارات في كوريا، ووضع أنظمة وقوانين تحمي المستثمر، وكذلك إعفاءات ضريبية وغيرها من التسهيلات للمستثمرين.

السعودية العظمى أحسنت صنعاً عندما صدر أمر ملكي كريم بالموافقة على فتح باب التجنيس للكفاءات والمبدعين والمتميزين من مختلف دول العالم في المجالات الشرعية والطبية والعلمية والثقافية والتقنية والرياضية، والتخصصات النادرة، وذلك لدفع عجلة التنمية وتحقيق رؤية المملكة 2030 الطموحة، والتي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، من خلال التركيزعلى الطاقة المتجددة، والتعدين، والصناعة، والاستثمار، والسياحة، والرياضة، والآثار، والترفيه، وغيرها من المجالات المختلفة، وبالتالي فهي بحاجة لتوطين العقول الأجنبية.

الأمر الآخر والمهم وهو «الجماعية في العمل»، والتي تطبق في كوريا الجنوبية، واليابان، بعبارة أخرى أكثر دقة، أن أعمالهم تتسم بروح الجماعية، بمعنى أن الجماعية في العمل لا تحتاج لأنظمة وقوانين لضبطها بل هي شيء فطري عند الشعبين الياباني والكوري فتقدموا بالصناعات وغيرها، وعلى النقيض من ذلك الولايات المتحدة الأمريكية لديها «الفردية في العمل»، ولكن تتحول هذه الفردية في العمل إلى الجماعية بقوة النظام والقانون، ولذلك أصبحت أمريكا الدولة العظمى الوحيدة في العالم بلا منازع، كونها قامت على أكتاف علماء من الغرب والشرق.. إذن دول متقدمة استقطبت كفاءات ومبدعين وعلماء في التخصصات النادرة، وخبراء وقامت بتوطينهم.

توطين العقول في مجتمعنا «مطلب»، ولكن المهم والأهم هو أن يستقر في البلد، ويقيم إقامة دائمة فيه، ويعطي البلد عصارة فكره، لأن أي أجنبي يكتسب «الرعوية السعودية» له حقوق يأخذها بالكامل، وعليه واجبات تجاه مجتمعنا عليه القيام بها على أكمل وجه.. وفي المقابل من يتم تجنيسهم من المبدعين، وكذلك في مجال الصناعة والتصنيع وغيرها،علينا أن نقوم برعايتهم، وتذليل الصعاب التي يواجهونها، وتوفير السكن اللائق بهم، والتعليم، والرعاية الصحية لأبنائه «أبنائها»، والإغراءات المادية، والحوافز، والتي تجعلهم لا يترددون في قبول توطينهم، من أجل أن يقوموا ببذل المزيد من الجهد للنهوض في بلدنا في مختلف المجالات، والتي صدر فيها أمر سام كريم.. فهذه خطوة مباركة من قبل قيادة حكيمة ورشيدة، من أجل تحقيق رؤية طموحة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على سلعة ناضبة تسمها «البترول».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store