Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

صندوق القُبلات

A A
يحكى أن رجلاً قام بمعاقبة ابنته الصغيرة ذات الأعوام الثلاثة لأنها أفسدت ورق تغليف هدايا ذهبي اللون. وقد كان الرجل حينها في ضائقة مالية فاستشاط غضبًا حينما حاولت ابنته أن تغلّف صندوقاً خشبياً قديماً بدلاً عنه ولكن دون جدوى، مع ذلك، أتت الصغيرة في اليوم التالي وهي تحمل الصندوق المغلّف، وقدمّته لوالدها: «إنها هدية عيد ميلادك يا أبي!».

شعر الأب بالخجل من نفسه لتصرّفه القاسي مع ابنته بالأمس، لكن الغضب ما لبث أن يظهر عليه مجدّدًا حينما فتح الصندوق ووجده فارغًا فصاح فيها قائلاً:

- «حينما يقدّم أحدهم هدية للآخر، لابدّ أن يكون بداخل العلبة شيء ما!!». نظرت الطفلة إلى والدها بعينين دامعتين وقالت: «أوه يا أبي.. العلبة ليست فارغة على الإطلاق، لقد ملأتها بالكثير من القبلات الحارة وكلّها لك وحدك...».

عند هذه الكلمات تفطّر قلب الأب واحتضن ابنته بحنان طالبًا منها العفو. هذه القصة المعبرة تحكي وتصور غرورنا نحن البشر تجاه كل من يطوقنا بمشاعره الجميلة ويسعى لإرضائنا بعفويته دون تكلف، حيث نعامله كعصفورة القفص التي نضعها خلف القضبان لنجمل حياتنا ثم لا نلتفت ولا نلقي بالاً لزقزقاتها ورفرفة أجنحتها وهي تحاول جاهدة لفت انتباهنا حين نعود إلى البيت بعد غياب!

هكذا نحن البشر؛ الصديق الذي يتصل بنا كل يوم للاطمئنان على صحتنا ننعته بالمُمل (واللزقة)، الزميل بالعمل الذي يحاول جاهداً إرضاءنا بتحمله للأعباء والمهام نيابة عنا نصفه بالضعيف الغلبان، زميل المهنة الذي يحاول كسر الروتين بفكرة خلاقة تثري الحوار الثقافي ننعته عن جهل بالبحث عن التسويق والشهرة، الزوج/ة، الحبيب/ة، الذي يهب لنا كل وقته ومشاعره ليرسم البسمة والأمان على وجوهنا نضع في ملامحه أو تكوينه البدني عيوب الدنيا، ثم نبحث عن حسن المظهر الذي يملك كل مقومات الجمال لكنة يفتقر لأدنى مقومات الوفاء والحب والإخلاص!!.

هكذا نحن معشر البشر؛ ننظر للأمور المادية ونهمل عن جهل المشاعر المعنوية، نترك العصفور اللطيف الذي بيدنا ونطارد العصافير المقلقة التي تقف على الشجرة، وما أن تطير بعيداً عنا، حتى نعود للبحث عمن أهملناه بغبائنا وغرورنا ولكن بعد فوات الآوان!!.

واخيراً؛ أختتم طباعنا السيئة نحن البشر بالنهاية المؤلمة للقصة المعبرة التي بدأناها؛ حيث إنه بعد مدّة قصيرة، تعرّضت تلك الطفلة لحادث مؤلم أودى بحياتها.. فاحتفظ والدها بالصندوق الخشبي قريبًا منه لسنوات عديدة، وفي كلّ مرّة كان يشعر بالألم والإحباط، كان يفتحه ويأخذ منه قبلة وهمية من تلك القبلات الدافئة التي تركتها له ابنته المحبة داخل (صندوق القُبلات)!!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store