Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

اصطفاف فرنسي كامل بجانب المملكة

A A
حظيت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة للمملكة باهتمام عالمي واسع، وتصدرت تفاصيلها اهتمامات وسائل الإعلام، لما تمثله من أهمية كبرى، لا سيما أنها تأتي في توقيت بالغ الأهمية وظروف دقيقة تمر بها منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، في ظل تواصل المفاوضات بين القوى الدولية والنظام الإيراني حول المشروع النووي المثير للجدل، ومحاولات الوصول إلى اتفاق عادل يلبي رغبات دول المنطقة ويزيل مخاوفها من احتمال حصول طهران على أسلحة الدمار الشامل التي ستؤدي - لا قدر الله - إلى تهديد الأمن والسلم في هذه المنطقة الحيوية للعالم أجمع.

ورغم تعدد الملفات التي تناولتها الزيارة، والأجندة التي وضعت على طاولة النقاش، إلا أن الملف الإيراني كان في مقدمة الاهتمامات، ولأن المملكة هي عاصمة القرار العربي والإسلامي، فقد كان من الطبيعي أن تسارع الدول الكبرى إلى التنسيق معها قبل المضي قدماً في تفاصيل الجهد الدبلوماسي العالمي الذي يرمي إلى منع نظام طهران من دخول النادي النووي، وسبق لباريس أن طالبت من قبل بإشراك دول الشرق الأوسط وفي مقدمتها السعودية في المفاوضات، ولكن طهران مارست كعادتها أقصى أنواع التعنت، مما دفع الدول العظمى للتأكيد بأنها لن تقدم على توقيع اتفاق معها ما لم يُلبِّي رغبات دول المنطقة وتوافق عليه.

على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين فقد أكد الرئيس الفرنسي خلال لقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على أهمية تعزيز العمل المشترك، وتفعيل المزيد من التعاون الوثيق والبنَّاء المبني على الثقة والمصالح المشتركة، بما يأخذ علاقات البلدين إلى آفاق جديدة واعدة. وتم التأمين كذلك على زيادة مشاركة القطاع الخاص، وتبادل الخبرات، وتطوير القدرات البشرية، واستغلال الفرص النابعة من رؤية السعودية 2030 في العديد من القطاعات ذات الاهتمام المشترك، خصوصا ما يتعلق بقطاعات الطاقة، وإدارة المياه، والمدن المستدامة، والنقل، والطيران المدني، والاقتصاد الرقمي، والصحة.

وفي اعتراف عالمي جديد بجهود المملكة في حماية البيئة، أشاد ماكرون بالتزام الرياض بالحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي. ومبادراتها وجهودها في مجال البيئة والتغير المناخي. وضمن هذا المحور تم الاتفاق على تعزيز التعاون بخصوص إدارة النفايات الإشعاعية ومواصلة التصدي لكافة التصرفات التي تؤدي إلى زيادة معدلات الاحتباس الحراري والالتزام بمبادئ الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي وتطوير وتنفيذ الاتفاقيات المناخية بالتركيز على الانبعاثات دون المصادر، من خلال نهج الاقتصاد الدائري.

ماكرون جدد التأكيد على دعم بلاده وتأييدها لموقف المملكة من الأزمة اليمنية، مشيرا إلى أهمية تنفيذ اتفاق الرياض لحل المشكلة، والحفاظ على المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار (2216). كما أكد التزام بلاده التاريخي بالحفاظ على أمن السعودية، وجدد إدانة باريس لمحاولات الحوثيين استهداف المملكة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة الإيرانية

أما فيما يتعلق بالشأن اللبناني الذي كان البعض يرى أنه سينال قصب السبق في اهتمامات الزيارة، فقد كان الرئيس الفرنسي في قمة الوضوح وهو يشدد على التصدي لتجاوزات حزب الله وتصرفاته المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وضرورة اضطلاع الحكومة اللبنانية بواجباتها في إحداث إصلاحات شاملة في قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود، وحصر السلاح بيد الدولة وعدم السماح باتخاذ الأراضي اللبنانية كمنطلق لأي أعمال إرهابية تزعزع الأمن والاستقرار ومصدرًا لتجارة المخدرات.

بصورة إجمالية يمكن القول إن الزيارة حققت كافة الأهداف المرجو منها، وأحرزت القيادة السعودية مكاسب كثيرة، سواء على صعيد مصالحها الخاصة أو على الصعيدين العربي والإسلامي، حيث تطابقت وجهات النظر بين الجانبين، وما ذلك إلا لعدالة ما تطالب به السعودية ورجاحة قراراتها والتزامها بكافة القرارات والعهود والمواثيق الدولية وعدم رغبتها في إلحاق الضرر بالآخرين.

وهكذا هي المملكة دوما، مصدرا للخير لجميع دول المنطقة، تقوم سياساتها على حسن التعامل وعدم التدخل السالب في شؤون الغير، تمد يدها بالإحسان لكل أشقائها وأصدقائها، وتدعم الاستقرار والسلام في محيطها الإقليمي وفي العالم أجمع، وتظل كما كانت منذ إنشائها، واحة للسلم والأمن، ولكنها في ذات الوقت لا تتسامح أبدا مع من يحاولون تهديد أمنها وسلامة مواطنيها والمقيمين على أرضها، أو يحلمون بالتعرض لمكتسباتها ومصالحها، وهي في سبيل الحفاظ على ذلك قادرة بحول الله تعالى.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store