Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

المجالس البلدية.. والحصاد الصفري!

A A
ارتياحٌ بالغ قُوبل به القرار الذي أصدره الأمين العام للمجالس البلدية بوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، «يحيى الحقيل»، بانتهاء فترة عمل الدورة الثالثة للمجالس البلدية في مختلف مناطق المملكة.. فهذه التجربة قد صاحبها جدلٌ كبير، واختلف الناس بين مؤيد لاستمرار هذه المجالس؛ وبين معارض يرى أنها أخفقت في تحقيق الحد الأدنى من الإنجازات؛ التي يمكن أن تشفع لها وتمنحها مبررات البقاء.

بينما يرى البعض أن تلك المجالس نجحت في أداء المهام الموكلة إليها، في نطاق الصلاحيات الممنوحة لها، وتمكَّنت من بلورة أهداف القيادة والاستجابة لتطلعات المواطنين وترجمة رغباتهم على أرض الواقع. يرى آخرون أن المجالس البلدية لم يكن لها دور أو إنجازات تذكر خلال الفترة الماضية، وأن المواطن لا يكاد يشعر بأي أثر ملموس لها على أرض الواقع، وأنها أخفقت في تشكيل الإضافة التي يمكن أن تكون سبباً للمطالبة باستمرارها.

ومع أن تفاوت الآراء والاختلاف وتباين وجهات النظر حول أي جهد بشري هو أمر طبيعي، إلا أن المواطن كان يُعوِّل كثيراً على تلك المجالس، واستبشر بأن تضع حلولاً عاجلة وناجزة لكثير من المشكلات التي تُواجهه، وتتغلب على الصعوبات التي تعترض طريقه، وذلك لأنه يحس بأنها قريبة منه، وتُمثِّل صوت الشارع ونبض المجتمع الذي أتى بأعضائها في انتخابات مباشرة.

الآمال التي كان يحملها المواطن في تلك المجالس البلدية وارتفاع سقف طموحاته حول أدائها وحصادها؛ يمكن النظر إليها على أنها نوع من «العشم»، فالأجهزة الأخرى مثل: البلديات ومجالس المناطق رغم أنها تؤدي أدواراً ترتبط مباشرةً بحياة المواطن، إلا أن الناس كانوا يرون أن المجالس البلدية تُمثِّلهم أكثر، لأنهم -كما ذكرت- انتخبوا أفرادها واختاروهم بمحض إرادتهم، لكن وللحقيقة فإن الكثيرين يشعرون بخيبة الأمل من حصاد المجالس البلدية التي طغى على أداء الكثير منها السلبية، وكأن الهدف الرئيس من الفوز بعضوية المجلس، هو الوجاهة الإعلامية فقط لا غير.

معظم أعضاء المجالس البلدية عندما تُجادلهم حول أدائهم، وتستفسرهم عن السبب في تواضع إنجازاتهم، يتذرَّعون بأن كثيراً مما يتوقعه المواطن ويطمح في تحقيقه هو خارج دائرة صلاحياتهم، ولا يستطيعون القيام به بحكم النظام. هذه الذريعة لا أرى أنها مقنعة لأنه لا يمكن أن تكون المجالس البلدية بدون صلاحيات على الإطلاق، وإلا لماذا أُنشئت وصُرفت عليها تلك الميزانيات؟!.

إذا كان المواطن قد شاهد تحسناً مثلاً في مستوى الطرق والشوارع الداخلية في الأحياء، فإنه كان سيجد العذر لأعضاء المجالس البلدية لإخفاقهم في ملفاتٍ أخرى، وإن كان قد أحس بوجود تغيُّر في ما يتصل بحدائق الأحياء، لكان قد استوعب الواقع وتحلَّى بالصبر، على أمل أن يتطوَّر العمل في الدورة المقبلة، ويتم تدارك الأخطاء السابقة. أما أن يكون الإخفاق في كافة الملفات، فإنه قطعاً لن يجد عذراً لأصحاب الرصيد الصفري.

أيضاً فإن الشعب السعودي، المعروف بارتفاع مستوى طموحه وتطلعاته ورغبته في الأفضل، لا سيما بعد إقرار رؤية المملكة 2030، لا يمكن أن يقتنع بذريعة عدم وجود صلاحيات كافية، فالصلاحيات كما يُقال تُنتزع ولا تُمنح، ومن يريد أن يتميز وينجز ويدع أعماله تتحدث عنه؛ فإنه سيجد بدون أدنى شك مجالاً يترك فيه ولو بصمة واحدة تقف شاهدة على حجم إنجازاته.

ومع التسليم بأن المجالس البلدية لا تمتلك صلاحيات تنفيذية، وأن دورها رقابي فقط ويتعلق بطبيعة الخدمات التي تقدمها البلديات، والتي تمثل قرابة 42% من الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن والمجتمع، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا قدمت المجالس البلدية في مجال المراقبة، وما هي الإنجازات التي حققتها في حدود صلاحياتها؟ لا سيما أنها تمثّل المواطنين وتعكس آراءهم ومطالبهم ومصالحهم في الشأن البلدي، وتنوب عنهم في اتخاذ القرارات بشأن التنمية.

ختاماً، أشير إلى أن المرحلة الحالية التي تعيشها بلادنا، تتطلب أنظمة فاعلة وفي منتهى الكفاءة الإدارية، وتمتلك القدرة على إحداث التغيير المطلوب، والإضافة الإيجابية للمجتمع، وليس هناك مكان لمتكاسل أو متقاعس يتذرَّع بعدم وجود صلاحيات كافية، فالدعم الذي وجدته المجالس البلدية من القيادة الرشيدة كان قوياً ومتميزاً، والتشجيع الذي حظيت به من أمراء المناطق كان ينبغي أن يكون دافعاً لها نحو المزيد من البذل والعطاء. لذلك فإن الحاجة تبدو ماسة لمراجعة التجربة وتقييمها بتعزيز الإيجابيات -إن وُجدت-، ومعالجة السلبيات وما أكثرها.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store