Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

طبيب سعودي يعيد كتابة التاريخ

A A
ظل الطبيب السعودي «هاني نجم» حديث وكالات الأنباء العالمية خلال الأسبوع الماضي، بسبب نجاحه في إجراء عملية جراحية معقدة وغير مسبوقة في العالم كله، بعد أن تمكَّن من إجراء عملية جراحية لجنين في بطن أمه، استأصل خلالها ورماً سرطانياً في قلب الجنين، وأعاد وضعه داخل الرحم كما كان في السابق، ومن ثم تابع حالته حتى وضعته أمه وهو ينعم بصحة كاملة.

مثل هذه العمليات المعقدة تحتاج - إضافة إلى أجهزة طبية متطورة - إلى إمكانات بشرية خاصة لا تتوفر إلا لدى قلة من الأطباء الذين حباهم الله بالقدرة على صنع الفارق، ويمتلكون ثقة كبيرة في قدراتهم وكفاءتهم، ورغبة في عمل الخير وتقديم المساعدة، وقبل ذلك إيمانا متكاملا في ربهم ويقينا بأنه سيمدهم بالعون والتوفيق في مهمتهم السامية.

الأخبار الواردة من مركز كليفلاند الطبي بولاية أوهايو الأمريكية تشير إلى أن نسبة توقع نجاح العملية كانت في أدنى مستوياتها، وأن جميع العاملين في ذلك الصرح الطبي المتميز - الذي يضم نخبة من الأطباء المهرة - كانوا غير متحمسين لإجراء العملية لحسابات طبية يعلمونها أكثر من غيرهم، لكن الطبيب السعودي صاحب اليقين الكبير في رب العالمين تصدَّى للمهمة، وتمتع بحس المسؤولية، وأعلن استعداده لإجراء العملية، وقاد الفريق الطبي بمنتهى القدرة والتميز حتى كتب الله على يديه شفاء ذلك الطفل وسلامته.

لم يكن التحدي مقتصرا على مجرد نجاح إجراء العملية وإزالة الورم، فقد كانت نسبة المخاطرة موجودة في عملية إعادة الجنين إلى مكانه السابق داخل الرحم، ومن ثم متابعة حالته الصحية والقدرة على التعامل الصحيح مع كافة الاحتمالات المتعلقة بتطورات حالته الصحية، ومن ثم تداعيات العملية، بمعنى أن «المطبات» والمحاذير كانت أكثر من أن تُعَد وتُحصى، لكن عناية الله وحكمته أرادت أن تمر كلها بسلام حتى لحظة الولادة التاريخية.

وحسب معرفتي بالمجال الطبي الذي أعمل فيه منذ سنين طويلة، ومن واقع ما دار بيني وبين كثير من الأطباء والمختصين، أستطيع القول بثقة: إن ما أنجزه الطبيب السعودي المتميز «هاني نجم» سيظل حديث الأوساط الطبية لفترة ليست بالقصيرة، وسوف يمثل مدخلاً لمفاهيم طبية جديدة تستفيد منها الجامعات العالمية مستقبلا.

ربما يعزو البعض السبب في نجاح العملية إلى توفُّر الأجهزة الطبية المتطورة، وقد يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما، لكن السبب الرئيسي من وجهة نظري - بعد توفيق الله تعالى - يعود إلى الفريق الطبي الذي أجرى العملية بقيادة الدكتور «هاني نجم»، لأن الأجهزة وحدها لا تستطيع إنجاز العمل ما لم يسخرها الفريق الطبي لمصلحة العملية، وهو ما نجح فيه «نجم» بمنتهى التميُّز.

ولمن لا يعلمون، فإن «نجم» لم يذهب إلى الولايات المتحدة ليكتسب فيها المعرفة، فقد تلقَّى تعليمه في السعودية، ودرس الطب في جامعة سعودية، وبعد أن تخصص في كندا، عاد وطبق كل ما تعلمه في مستشفى الحرس الوطني الذي قضى فيه 16 عاما، حتى أصبح طبيبا عالميا معروفا يُشار إليه بالبنان، ومن ثم تم استيعابه في مركز كليفلاند الطبي على أساس أنه قامة طبية تتمتع بسمعة عالمية متميزة.

هناك أطباء سعوديون كثيرون من النوابغ والقدرات العالية، وللحقيقة أقول: إن ما تقدمه قيادة هذه البلاد عبر وزارة الصحة ومديرياتها لرفع مستوى الطبيب السعودي هو جهد يفوق التصور، ولا يعلمه سوى العاملون في هذا الحقل، حيث يتمتع الكادر الطبي السعودي بفرص الترقي والتدريب في أرقى المعاهد العلمية، وتتاح لهم إمكانية حضور المؤتمرات الطبية المتميزة التي توفر لهم الفرصة للاحتكاك بالخبراء والمتميزين، وهو ما انعكس على مستوى أدائهم وصارت لدينا قامات طبية على أعلى المستويات.

ما أريد التركيز عليه هو أن أمثال الدكتور «هاني نجم»، ورغم التسليم بأهمية وجودهم في المستشفيات العالمية التي تتيح لهم إمكانية الترقّي والتطور، إلا أنه من الأهمية أن يعودوا إلى بلادهم لينقلوا هذه الخبرات التي لا تُقدَّر بثمن إلى أجيال واعدة من الأطباء السعوديين، على أن لا يتم إشغالهم بالأعمال الروتينية التي يستطيع غيرهم أداءها، بحيث يتفرغون لتدريب الأطباء الشباب، ولا بأس من مشاركتهم في إجراء العمليات المعقدة التي تتطلب حضورهم ومشاركتهم.

أحسب صادقاً أن هذا هو أبرز ما نادت به رؤية المملكة 2030، التي أولت جل اهتمامها وعنايتها لاستقطاب الكوادر العالمية البارزة للإسهام في تطوير مستوى الكفاءات الوطنية الواعدة، حتى نستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي، فما بالك إذا كانت هذه الكوادر الرفيعة من أبناء هذه البلاد، والذين يتوّقون للإسهام في رفعة شأنها وتطور مكانتها.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store