Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

صابــــون

A A
مهما كُتِبَ عن الصابون، ومهما قرأت عنه، فلن يأخذ حقه من الاهتمام والتقدير، فهو من أهم النعم التي غيَّرت، ولا تزال تُغيِّر مستوى معيشة البشرية. ومهما حاول التاريخ أن يُسطِّر نقاط التحوُّل الأساسية التي أتى بها الصابون، فلن يعطها حقها. هناك خبايا كثيرة غريبة له في مجالات متعددة، وكلها تستحق وقفات تأمل.

سحر الصابون هو عشقه للماء وقدراته - بإرادة الله - على الإذابة الفعالة للمواد بما فيها المواد العالقة غير المرغوبة على الأسطح المختلفة.. سواء كانت جلودنا، أو أقمشتنا، أو معادننا، أو منازلنا.

جدير بالذكر أن هناك جوانب هندسية رائعة في عالم الصابون، ومن أهمها خصائص الفقاعات. هذه الأشكال هي من أجمل التكوينات الهندسية التي تتكون بمشيئة الله لتقليص السطح، نسبةً إلى محتوى كل فقاعة، تحقيقاً لمبدأ الاقتصاد في التكوين.. وبالتالي فعلى انفراد يتكوَّن الشكل الكروي تلقائياً، وهو أفضل الأشكال لتقليص الأسطح. وأما عندما تتكون مجموعات من الفقاعات، فهي تتحد بزوايا تُقدَّر بحوالى مئة وعشرين درجة عندما تتلامس لتكون الأشكال السداسية الرائعة لتقليص الأسطح أيضاً.. فضلا لاحظها في الفقاعات بشكلٍ عام.. وهناك أيضا الجوانب الفيزيائية الجميلة للصابون فيما يتعلق بتشكيل ما يشبه الأنبوب القصير الذي يتميز بوجود قطبين في أطرافه. أحدهما يعشق جزيئات الماء ويتحد معها بشغف، والآخر يتجنب الماء ويعشق جزيئات الدهنيات لتوفر خصائص الإذابة لتحقيق النظافة الجميلة. وعجائب الصابون لا تقتصر على روائعها الفيزيائية والكيميائية فحسب، فهناك الجوانب الاجتماعية المتعلقة بالأوبئة التي ضربت أوروبا بدءاً بالقرن السادس الميلادي، فعندئذ أصبح الاستحمام من الأنشطة المقلقة بسبب الخوف من العدوى، وبالتالي قلصت من أهمية الصابون لفترةٍ زمنية طويلة تزامنت مع سلسلة الجوائح الأوروبية.

وأود أن أضيف أن للصابون العديد من الغرائب ومنها: بعض الجوانب المتعلقة بعلم الاستراتيجيات، وبالذات في تدابير الحرب النووية.

ولنعود إلى مطلع الخمسينيات الميلادية من القرن العشرين، فكانت شركة «بروكتر آند قامبل» هي من الأكبر في عالم صناعة وتسويق الصابون. كانت لها أربع منتجات أساسية فقط وهي «تايد»، و»اكسيدول»، و»ايفوري»، و «جوي». فكوَّن مدير الشركة - واسمه «ماكلروي» - مبدأ التنافس الداخلي بين المنتجات، وكوَّن عشرات المنتجات بداخل الشركة لتنافس بعضها البعض في الأسواق، بهدف الاستحواذ على حصص أكبر من الأسواق.

وأضاف الرجل الملقَّب «بأبي الصابون» مبدأ الدعاية المكثفة من خلال المسلسلات التلفزيونية الموجهة نحو الزوجات خلال الساعات الصباحية، فكوَّن فكرة الأوبرا الصابونية soap opera وكانت سابقة لأوانها.

وتوَّج كل ذلك بابتكار آليات إدارية متطورة لإدارة التنافس الداخلي. والطريف هنا أن أبي الصابون «ماكلروي» عُيِّن في منصب وزير الدفاع تحت إدارة الرئيس «إيزنهاور» في الخمسينيات.. وكانت بداية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فطبَّق بعض أساسيات تسويق المنتجات الصابونية في ولادة مبادئ الحرب النووية، ومن أهمها المنافسة الداخلية بين القوات المختلفة «الجوية، والبرية، والبحرية» على سيادة القوى النووية والصواريخ.

* أمنيــة:

معظم المنتجات التي نعتبرها بسيطة، وعلى رأسها الصابون، لها خلفيات تاريخية رائعة، وبعضها تتشعَّب في مجالات لا نتخيلها. أتمنى أن نُدوِّن هذه الخلفيات الجميلة في متاحف العلوم التي ننتظرها بفارغ الصبر في مناطق المملكة المختلفة، وأن لا نرى «زحلقة» لهذه الأمور، فهي من أجمل نعم الله الجديرة بالاهتمام.. وهو من وراء القصد.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store