Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

الملامح الحضارية لوزارة الداخلية

A A
منذ ظهور جائحة كورونا، ظهرت مسؤولية كبرى على عاتق الجهات الأمنية، تمثَّلت في ضرورة مراقبة تنفيذ الإجراءات الاستثنائية التي استلزمتها مهمة التعامل مع الفيروس، وضمان التقيُّد بالإجراءات الاحترازية التي تحول دون تفشِّي المرض وانتشاره إلى أعداد أكبر من المواطنين والمقيمين. للوهلة الأولى قد يبدو هذا الدور سهلاً وميسوراً، وبالإمكان القيام به بكل بساطة، لكن الحقيقة هي خلاف ذلك، فهي مهمة في غاية الصعوبة والتعقيد، لأنها تتطلب اليقظة الكاملة على مدار ساعات اليوم، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار المساحة الشاسعة التي تمتاز بها المملكة ولله الحمد، ومعظم مناطقها تقع وسط تضاريس قاسية كالجبال والصحاري.

إضافة إلى ذلك، فإن طبيعة السعوديين تجعل من الصعب مراقبة تحركاتهم بصورةٍ كاملة، وذلك لأننا شعب اجتماعي تربطه صلات ووشائج لا يمكن التنازل عنها، وتحكمه طبيعة اجتماعية تستلزم المشاركة في المناسبات السعيدة والحزينة على حد سواء. لكن رجال الأمن البواسل بما عُرِف عنهم من قدرات متميزة، وطاقات هائلة، وتنظيم دقيق، ورغبة في خدمة مليكهم ووطنهم وشعبهم، تصدَّوا لتلك المهمة بكل جسارة، وقاموا بها بجدارة منقطعة النظير، واستطاعوا الحد من المخاطر التي كان يُمثِّلها الفيروس، وكان لهم الفضل -بعد الله سبحانه وتعالى- في النجاحات التي تحقَّقت، بالشراكة مع جنود الجيش الأبيض من الأطباء والممرضين والأطقم الصحية العاملة في المستشفيات. ومنذ ظهور الجائحة والتأكد من الخطر الكبير الذي تُشكِّله، فقد تحرَّكت وزارة الداخلية على أعلى مستوياتها، وقامت بوضع الخطط الضرورية الكفيلة بالتعامل مع المخاطر. وكعادتها فقد نجحت في فن التعامل مع الأزمات الطارئة، بعد أن تم تحديد أساليب العمل المناسبة، والتي ركَّزت على احترام آدمية الإنسان، مواطناً أو مقيماً، وعدم الاعتداء عليه أو الإساءة لكرامته، مهما كانت الأسباب والذرائع، بل كان التركيز كله موجَّها لتحديد العوامل المسببة لانتشار الفيروس، والحد من فرص انتشاره.

اللافت في الأمر، أن عناصر وزارة الداخلية استطاعوا تنفيذ المطلوب منهم بصورةٍ احترافية نالت الاستحسان والتقدير، وذلك لأنهم تمسَّكوا بالحفاظ على حقوق الإنسان، ولم يلجأوا لإخافة المواطنين أو المقيمين، ولم يستخدموا معهم أساليب الشدة والغلظة، بل كانت كل إجراءاتهم في حدود القانون، وملتزمة بالأنظمة والضوابط. ونظرة سريعة إلى كثير من الدول المتقدمة، نجد أن بعض الدول الأوروبية اضطرت للاستعانة بنشر الجيوش في الشوارع، واستخدام الأساليب القاسية في التعامل مع الذين يتجاوزون الاحترازات المعلنة، أو لا يتقيَّدون بتوجيهات الأجهزة المختصة، لكن كان الوضع مختلفاً في المملكة، والتعامل كان يتم بأساليب إنسانية راقية، وهو ما وجد الاستحسان والتقدير من المواطنين الذين كثيرا ما رأيناهم وهم يُقدِّمون الشاي والقهوة والمياه الباردة والفطائر لعناصر الأمن الذين يقفون في ساعات الحر الشديد لمساعدة الآخرين.

هذا هو الدور الاجتماعي الرائد الذي تقوم به القوى الأمنية في الدول المتقدمة، جسَّدته قواتنا على أرض الواقع في أبهى صورة، فكثير من الناس يُخطئون عندما يظنون أن دور وزارة الداخلية يقتصر على مجرد فرض الأمن ومطاردة المجرمين وحراسة المنشآت، فهذه كلها جزء بسيط من أدوار القوات الأمنية، يُضاف إليها إسناد المجتمع ومساعدة المدنيين في حالات الطوارئ مثل الجوائح والسيول وغير ذلك من الكوارث. كذلك امتدت مهام عناصر الأمن لتشمل مساعدة الكوادر الطبية العاملة في مجال التصدي للجائحة على الوصول إلى أماكن عملهم، وتذليل العقبات التي قد تواجههم، إضافة إلى مساعدة عناصر توصيل الطلبات للمنازل، والإسهام في إسعاف الحالات الطارئة، وإنقاذ المتأثرين بالمرض، مع حسم المتفلتين الذين يريدون أن يتسببوا بالضرر لأنفسهم وللآخرين. وللحقيقة، فإن هذه التجربة المشرقة لعناصر الداخلية ليست الأولى في مسيرة تميّزهم، فلهم سجل ناصع في هذا المجال، حيث شهدنا في سنوات كثيرة مشاركة كبيرة لهم في مجالاتٍ متعددة، ففي الحج على سبيل المثال وقف العالم كله مشدوهاً وهو يشاهد أحد رجال الأمن وهو يحمل حاجًّا مسنًّا على كتفيه لمساعدته في أداء جمرة العقبة، وعنصر آخر خلع حذاءه لحاجَّة مُسنَّة، وارتضى أن يمشي حافياً بجوارها في عز الصيف، وكلها نماذج أثبتت نجاح وزارة الداخلية السعودية في تأهيل منسوبيها، وغرس قِيَم الإنسانية في دواخلهم.

هذه الجوانب الإنسانية المشرقة التي يتميز بها جنودنا البواسل هي السبب الرئيس في أن تنال المؤسسة الأمنية السعودية أعلى درجات الموثوقية لدى المواطن والمقيم، بحيث أصبح وجود أفرادها مبعثاً للاطمئنان والثقة، وليس سبباً للخوف والرعب كما هو الحال في كثير من الدول، وهو ما يستوجب تقديم الشكر لقيادة هذه البلاد الرشيدة التي نجحت في فرض الأمن والاستقرار وبث الطمأنينة وسط النفوس.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store