Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

الإمارات ولبنان.. مماثلة وعبرة!

A A
خمسون عامًا مضت منذ أن قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بتأسيس دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة على ساحل الخليج العربي لتضاهي العديد من دول العالم المتقدمة في بنيتها التحتيَّة ومرافقها العامَّة ورغد عيش سكَّانها مواطنين ومقيمين.. وكمن انفصل ماضيه عن ذاكرته، إذ بالأراضي الجرداء تتحوِّل إلى واحات خضراء، ومدن شُيِّدت على أرقى المواصفات العصريَّة، فتصدَّرت العديد من مراكز المال والعلوم والأبحاث والسياحة والاستثمار.. على كلِّ هذا التقدُّم المذهل، إذ (إكسبو دبي)، الذي أقيم مؤخَّرًا يفوق أبعد التوقُّعات تخطيطًا وتنفيذًا، ومشاركة كبرى بيوت الاقتصاد العالميَّة إلى جانب المهرجانات الأدبيَّة والفنيَّة التي أبهرت المشاهدين والمستمعين.

يجري العمل حاليًا على دفع مسار الخمسين عامًا المقبلة من خلال تغييرات هيكليَّة وجذريَّة في المنظومة الاقتصاديَّة، تشمل تمكين المواطنين والقطاعات الاقتصاديَّة المحليَّة، وتطوير مجموعة قوانين ومبادرات وطنيَّة خاصَّة لتمكين الكفاءات الوطنية والمواهب وروَّاد الأعمال الإماراتيِّين، وإطلاق مشاريع لاستقطاب المواهب والمستثمرين، وبناء شراكات اقتصاديَّة عالميَّة، وسواها من مبادرات ومشاريع حيويَّة في التنمية والصحَّة والتعليم والاقتصاد والأمن الغذائي والعلوم والتكنولوجيا المتقدِّمة والقيم المجتمعيَّة والثقافة والبيئة والإسكان والسياحة وريادة الأعمال والاستثمار والمهارات والرياضة والشباب وغيرها.

اليوم، وبعد خمسين عامًا من قيام الدولة، يجتهد رئيسها الحالي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيَّان، وولي عهده الشيخ محمَّد بن زايد آل نهيَّان، ورئيس مجلس وزرائها الشيخ محمَّد بن راشد المكتوم؛ حاكم دبي على تقوية الاتِّحاد ومواصلة مسيرة الوحدة الوطنيَّة كونها أكبر الأهداف الإستراتيجيَّة للخمسين عامًا القادمة، مع ما يفرضه الاستحقاق من واجبات، وفق خطَّة بيِّنة المعالم، ومحدَّدة التفاصيل، لضمان تحقيق الأهداف، ومواصلة المسيرة التقدُّميَّة وإلى مزيد من النهوض والإعمار والبناء. في الوقت ذاته، على الواجهة البحريَّة للمشرق العربي دولة عربيَّة رسم حدودها عام 1916 كلٌّ من مارك سايكس، وزير خارجيَّة بريطانيا (العظمى)، وجورج بيكو، وزير خارجيَّة فرنسا، عرفت باتِّفاقيَّة (سايكس وبيكو).. وبموجبها تقاسمت الدولتان الاستعماريَّتان الكُبريان تركة السلطنة العثمانيَّة، وعملتا معًا لزرع بذور المحاصصة المذهبيَّة والطائفيَّة بين سكَّان تلك الدولة حديثة الولادة.. تمَّ ذلك أيضًا بإرسال بعثات تبشيريَّة عُنيت ظاهريًّا بفتح المدارس العصريَّة والمراكز الصحيَّة، وشبكة طرق مواصلات وموانىء بحريَّة لتسهيل مهمَّة تحكُّمها بالبلاد والعباد وبالتجارة العالميَّة.. بذلك، استقطبت الدولة الوليدة رجال المال والأعمال والاقتصاد والسياسة والتعليم، وطلبة العلم من البلدان المجاورة والبعيدة على حدِّ سواء، إلى جانب جذب عشَّاق الطبيعة والسياحة، ومتع الحياة لقضاء إجازاتهم في ربوعها.

ولموقعها الجغرافي المميَّز، وبتوسُّطها قارَّات العالم الثلاث الكبرى، تمكَّن سكَّانها من العلوم العصريَّة وقابليَّتهم التعامل مع الأطياف العرقيَّة والمذهبيَّة والوطنيَّة كافَّة، والأجنبيَّة أيضًا.. وقد استغلَّتها استخبارات الدول الاستعماريَّة الكبرى والمجاورة للتجسُّس.. وتمكَّنت من تجنيد زعماء الطوائف والمذاهب لتحقيق أهداف حكوماتها التي تدين بولائها لتلك الأجهزة، وكان لنظام إيران نصيب الأسد باستئثار حرسها الثوري بتسيير أمور هذه الدولة، والسعي لتخريب الأنظمة العربيَّة تحت عباءة (حزب الله)، وصنيعته المدعو حسن نصر الله.. فنجم عن ذلك تدمير اقتصاد الدولة وسقوطها في هاوية سحيقة وصفها رئيس الدولة بأنَّها تدفع البلاد إلى جهنم، والآن عمَّ الفقر والجوع غالبيَّة السكَّان لعدم قدرتهم على شراء أبسط متطلَّبات الحياة من طعام ودواء وحليب أطفال وأصبح شاغلهم الشاغل لتر مازوت للتدفئة، ولتر بنزين لتحريك المركبات عند الضرورة.. وجواز سفر للقادرين على تحمُّل نفقات السفر إلى بلد تراعى فيه حقوق الإنسان بعيش كريم.

هذا هو مع الأسف والمرارة هو لبنان الذي فقد مقوِّمات البقاء حيًّا، وكان حتَّى الأمس القريب يتمتَّع بأبهى صحَّة ورغد عيش ورفاه يتمنَّى مثلها العديد من الأمم والشعوب. فبين الإمارات وما كانت عليه، وما صارت إليه الآن، وما تتوقَّعه مستقبلًا، وبين لبنان الذي كان وما عليه الآن، وما يتوقَّعه من مصير قاتم مظلم، تتباين مصائر الشعوب والأمم، وعلى كليهما ينطبق قول الشاعر: (تمشي الكرامُ على آثارِ غيرهم*** وَأنتَ تَخلقُ ما تأتي وتبدِعُ).. إمَّا رجاء فرخاء، وإمَا وبال فبلاء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store