Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

طيّـــــــــــق

A A
هي جمع طاقة بمعنى نافذة.. والإشارة هنا لطيق الطائرات، فهي من أهم النعم لاستكشاف جمال وأسرار العالم من منصات رائعة جدا..

وهناك ضرورة لإعادة النظر في مصطلح نوافذ الطائرات لأنها لا تفتح، ولأنها تختلف عن أية شبابيك في عالمنا. الشاهد أنها تفتح عالم علوم السماء، والأرض، والبحر.. من ألوان السماء المتغيرة، إلى أشكال وألوان السحب المتنوعة بخصائصها المختلفة، إلى جيولوجيا، وجغرافيا الأرض والبحار. واليوم كنت على متن رحلة طويلة مرت فوق إحدى أهم المواقع التي غيَّرت تاريخ الشرق الأوسط بأكمله.. أثناء جلوسي في الكرسي المريح بحمد الله على ارتفاع سبع وثلاثين ألف قدم فوق مدينة العلمين في مصر الشقيقة، رأيتُ التاريخ الثري للمنطقة.. تقع العلمين على شاطئ البحر الأبيض المتوسط شرق الإسكندرية بمسافة مئة وعشرين كيلومترا تقريبا. ويرى الناظر من منصة شباك الطائرة على ذلك الارتفاع معظم امتداد الشاطئ المصري من قناة السويس شرقا إلى حدود ليبيا غربا. وخلال الحرب العالمية الثانية دارت أغرب الأحداث وأهمها على تلك الأراضي. نبدأ الأحداث برغبة القائد الإيطالي «موسوليني» بإعادة مجد الإمبراطورية الرومانية باحتلال مصر. ورأى فرصة أنه كان على أعتابها، لأن الطليان كانوا محتلين ليبيا، وكانت لديه قوات عسكرية تفوق القوات المصرية والإنجليزية في مصر بأكثر من خمسة أمثال. وفي سبتمبر 1940 بدأت القوات الإيطالية بالتغلغل في شرق الأراضي المصرية بهدف الوصول إلى قناة السويس للتحكم في أحد أهم الممرات البحرية لأوروبا، وللعالم ككل. ونجحوا في البداية، ولكن كانت «الخيبة» الكبرى تحالفهم، فدارت أغرب المعارك في غرب مصر.. هجوم إيطالي وتراجع القوات المصرية والإنجليزية.. ثم تقدُّم القوات المصرية والإنجليزية وتقهقر الطليان مرة بعد الأخرى، ليعودوا إلى الأراضي الليبية.. وكأنها مباراة قدم، والكورة «رايحة وجاية». وتغير كل ذلك عندما قررت القيادة الألمانية إرسال «ثعلب» الصحراء الجنرال «رومل» على رأس آلاف الجنود والمدرعات لإنقاذ القوات الإيطالية في يوليو 1942. ودارت أعنف المعارك التاريخية في غرب مصر، وتبلورت في معركة العلمين الكبرى في أكتوبر 1942 التي انتهت بنصر الإنجليز على القوات الألمانية وإيقافهم.. وسقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى. ولكن الموضوع لم يكن مجرد معارك مدرعات. إحدى أهم المعارك خلال تلك الفترة كانت استخبارية.. كانت أسلحتها علم الرياضيات والتشفير. وتحديدا، بين جامعتي كامبريدج وأكسفورد في مدينة «بليتشلي بارك»، حيث كان مقر فك الشفرات المختلفة بقيادة أفضل العقول البريطانية في تخصصات الرياضيات، واللغات، والدراسات الكلاسيكية. وكانت كل رسالة مشفرة من وإلى القيادات الألمانية، وكل رسالة من وإلى البعثات الدبلوماسية في مصر تمر على ذلك المقر المهم لاتخاذ القرارات المهمة من القيادة الإنجليزية..

وهناك المزيد.. ففي مطلع عام 1942 كانت هناك إخلاءات إنجليزية واسعة النطاق استعدادا للغزو الألماني لمصر. وكانت هناك خطط لنقل مقر القيادة الإنجليزية من القاهرة إلى جدة أو القدس.. ويصف بعض المؤرخين الدخان الذي كان صادرا عن حرق الأوراق الرسمية من قبل القيادات العسكرية والدبلوماسية الإنجليزية في سماء القاهرة استعدادا للإخلاء، بأنه كان أشبه بمداخن عشرات المصانع.

* أمنيــــة:

الروائع التي ننعم بها من طيق الطائرات لا تقتصر على عالم الجغرافيا، والجيولوجيا، والعمران فحسب.. فالتغيُّرات التاريخية أيضا - كما أوضحت أعلاه - تضيف الكثير إلى روائع السفر جوا.. أتمنى أن لا نفوت تلك الفرص لنضيف إلى ثقافتنا من خلال التمعن في روائع العالم من نوافذ الطائرات، فهي من نعم الله الجميلة، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store