Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م.سعيد الفرحة الغامدي

أوكرانيا بين روسيا والناتو...!

A A
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في عهد جورباتشوف الذي أطلق شعاراته المشهورة (برسترويكا) = إعادة الهيكلة (وجلاس نست) = الانفتاح والتوسع في حرية الفرد والتعبير في الجوانب السياسية والاجتماعية لرفع تابو التخلف ومواكبة الغرب والتخلص من أعباء الحرب الباردة وتوتراتها المكلفة على الجهاز المركزي في موسكو والالتزامات الدولية لدول العالم الثالث، وكان الانفتاح الطريق الوحيد للنهوض والتخلص من الأثقال المكلفة ولذلك فُتحت أبواب الاستقلال لخمسة عشر دولة من بينها أوكرانيا لتصبح دولًا مستقلة ذات سيادة منضمة للأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها والتخلص من الهيمنة الروسية..

سقط جدار برلين في منظر مهيب وتوحدت ألمانيا وأُسدل الستار على مخلفات الحرب العالمية الثانية.. روسيا قبلت على مضض انفراط عقد حلف الاتحاد السوفييتي لأنها لم تستطع مقاومة الشتاء الروسي الشبيه بموجة الربيع العربي الذي كان بمثابة زلزال سياسي من المحيط إلى الخليج العربي ولا زالت آثاره ملتهبة.. في الحالة السوفييتية تعاملت أمريكا بقدر من حفظ ماء الوجه لجورباتشوف وخلفه يلتسن ولكن إعادة الهيكلة كانت شاملة لتفكيك وإعادة ترتيب العالم وأصبحت الهيمنة الدولية بيد الولايات المتحدة الأمريكية وكما كان ذلك مضرًا للعالم لأن السلطة المطلقة أينما كانت عواقبها وخيمة، وتحولت السياسة الدولية من تعدد القطبية إلى سياسة القطب الواحد بيد البيت الأبيض ولكن أمريكا لم تُحسن إدارة السياسة العالمية بما يحقق الأمن والاستقرار والسلام العالمي.

روسيا بلد كبير جغرافيًا وثري بالبترول والغاز والمعادن والزراعة وخلال فترة الثورة قطعت شوطًا كبيرًا في التقدم التقني في ميدان التسلح وغزو الفضاء وصناعة الطائرات والسفن الحربية وعندما فقدت السيطرة على أعضاء الحلف قلت قوتها المعنوية والمادية ولكنها بقيت دولة قوية بإمكاناتها الذاتية.. العلاقات مع الدول التي انفصلت واستقلت لم تكن قطيعة كاملة بحكم الجوار وهيمنة اللغة الروسية التي كانت مسيطرة وثقافة الحياة بصفة عامة لم تمح بعد نصف قرن من الاندماج الشكلي وبقيت العناصر التي تضررت من الانفصال لها حنين وارتباطات مع الروس تستخدمهم في محاولات إعادة سيطرتها ولو بشكل نسبي وما يحصل في أوكرانيا دليل على تلك العلاقات التي لم تنقطع بالكامل بحكم الجوار والعلاقات العميقة.. أمريكا زعيمة حلف الناتو تعارض عودة روسيا لعاداتها القديمة ولذلك تشجع وتغري وترحب بانضمام أوكرانيا وغيرها لحلف النيتو وروسيا ترى في ذلك تهديدًا لأمنها القومي.

الأزمة الحالية بين بايدن وبوتين الأول يصُعد من أجل الانتخابات النصفية القادمة وبوتين يرى الضعف ويدفع باستغلال فرصة تحجيم قادة أوكرانيا الموالين للغرب وكلا الطرفان يصرحان أنهما لا يريدان حرب من أجل أوكرانيا..

افتعال الخوف على أوكرانيا قد يساعد بايدن في الانتخابات النصفية القادمة ولا شك أنه يُشغل أمريكا عن مشاكل إيران التي تُعد الأهم والأخطر على السلم العالمي لأن إيران عدوانية ولو حصلت على سلاح نووي ستكون تصرفاتها أسوأ وستنتهي صلاحية معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل وتفتح باب سباق التسلح في منطقة الخليج العربي لامتلاك قوة ردع ضد مخططات إيران العدوانية.

الدول الأوروبية الأعضاء في حلف النيتو متوجسة من تصرفات أمريكا وفي نفس الوقت تدعم استقلال أوكرانيا ولها مصالح مع روسيا مثل إمدادات الغاز الذي تعتمد عليه أوروبا ولكنها لا تريد حربًا مع روسيا من أجل أوكرانيا.. وأخيرًا فإن إمكانية عودة الحرب الباردة تلقي بضلالها على مشهد السياسة الدولية.. والعالمين العربي والإسلامي يعانيان من أزمات محلية وإقليمية وتداعيات الصراعات بين الدول الكبرى على مناطق النفوذ..!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store