Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

المدير الفرعون!

A A
* (الفرعنة) صفة ارتبطت معانيها عبر التاريخ بالغطرسة والعناد والطغيان، وسياسة الرأي الأوحد.. لكنها في المجتمعات الوظيفية -وهذا ما يهمنا اليوم- كثيراً ما تلتصق بالرؤساء والمديري المستبدين.. فإذا كان العدل والتواضع والذكاء العاطفي وفن الاحتواء هي أهم الصفات والمهارات التي يجب أن يتمتع بها المدير الإنسان، فإن (الفرعنة الإدارية) نقيض لكل هذه القيم الإدارية مجتمعة، ومنافية لها على طول الخط.

* من أكبر الأخطاء في المجتمعات الوظيفية؛ ذلك الخلط الخطير بين المدير صاحب الشخصية القوية المتميزة والمؤثرة، ونظيره المتسلِّط.. فالبعض لا يُفرِّق للأسف بين قوة الشخصية، وهي ميزة مهمة ومطلوبة لقيادة المنظمة نحو النجاح والتميز، وبين التسلُّط والاستعلاء الكريه؛ الممتزج بأُحادية الرأي على طريقة: (لا أريكم إلا ما أرى)، والذي يُحوّل بيئات العمل إلى جحيم لا يُطاق.

* (عقدة كرونوس) عقدة نفسية يعاني المصاب بها من حبٍّ جارف للسيطرة على الآخرين، ومنعهم من التعبير عن أنفسهم، قد تظهر هذه العقدة في بعض الآباء، لكنها في المديرين المتسلِّطين أكثر ظهوراً، وإجمالاً يمكن القول: إن أبرز صفات المدير الفرعون، بالإضافة إلى التكبُّر وحُب السيطرة هي أنه: ١- ظالم وعنيد وغير إنساني ‏2- يعتقد أن أي إنجاز يحدث في المنظمة بفضله ‏3- لا يُقدِّر قيمة موظَّفيه ويُعاقب بلا سبب ‏4- قليلاً ما يشعر بالرضا‏ 5- متشكِّك دوماً ويتوجَّس خيفة من الجميع 6- حاقد وراصد دقيق ومؤرشف للأخطاء 7- انتهازي ومستغل ويعتقد أن من حقه التدخل في أدق خصوصيات العاملين معه عملاً بمنطق: (أنا مديركم الأعلى)!.

* ‏بالإضافة إلى ما تقدَّم، فإن أكثر صفات (المدير الفرعون) وضوحاً في رأيي هي ارتباطه الدائم والعميق بالظلم، فلهذه الشريحة قدرة رهيبة على ظلم العاملين دون أن يرف لهم جفن، من خلال تلفيق التهم لأذية مخالفيهم والتخلص منهم، ناهيك عما يمارسه بعضهم على العنصر النسائي تحديداً من ابتزاز لا أخلاقي، يصل أحياناً درجة التهديد من أجل نزواته الخاصة، وهذا يحدث لمعاناته من عقدة النقص، وعدم قدرته على كبح مشاعره العدوانية أو حتى تهذيبها على الأقل.. والسبب تضخم (الأنا) إلى الحد الذي يفقد فيه السيطرة على نفسه، وتتجلَّى خطورة الفرعون الإداري في بحثه الدائم عن شرار الناس، وصبهم كأسواط عذاب على رؤوس معارضيه من خلال تعيينهم كرؤساء للأقسام (فراعنة صغار) يستمدون قوتهم من جبروته ويُنفِّذون منهجيته!.

* ‏هذه الشخصية الشاذة بدأت في التلاشي -ولله الحمد- من كثير من المنظمات الحكومية، بفضل سياسة تعزيز النزاهة التي خطّها خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- ويقودها سمو ولي العهد بنفسه، إلا أنها لا زالت باقية وتتمدد للأسف في بعض المؤسسات الخاصة، خصوصاً تلك التي يعتقد ملاّكها أن وضع جلّاد على رأس إدارتها هو أمر جيد.. وتزداد الكارثة عمقاً عندما يكون هذا الجلاد وافداً، أكبر همّه إذلال الموظفين السعوديين، ومحاولة تطفيشهم بحججٍ واهية!.

* ‏بقي أن نقول: إن أفضل طريقة للتعامل مع الفرعون الإداري هي التعامل بذكاء وحذر، دون استسلام أو إذعان مطلق، من خلال الهدوء والتحدث بمهنية واختصار ما أمكن ذلك، وعدم السماح لكلماته بالتأثير عليك وعلى ثقتك بنفسك، مع ضرورة التنبّه دوماً لتوثيق مهامك وإنجازاتك، وإشراك الجهات الأعلى في الاطلاع عليها.. وفي كل الأحوال عليك ألا تنسى أن المدير الفرعون مهما بلغ حجمه؛ هو مجرد بالون أجوف، نحن مَن ينفخه، ونحن مَن يستطيع تحجيمه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store