Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

هل نقول وداعًا للنشاط المدرسي؟!

A A
عقود مضت والنشاط المدرسي (اللاصفي) يلازم العملية التعليمية داخل أسوار المدرسة وخارجها، وهو النشاط الذي يهدف إلى اكتساب الطالب المهارات والخبرات الاجتماعية والعملية، لتكون رافدًا لما يحصلّه من علومٍ ومعارف عبر المقررات الدراسية داخل حجرات الدرس. الناظر بعين البصيرة لهذا النوع من النشاط لن يتردد في القول بأنه لم يؤتِ ثماره، ولم يتعدَ كونه مجرد إشغال لأوقات الطلاب، وهذا يعود لأمور كثيرة منها عدم وضوح الهدف من النشاط، أو لعدم الإيمان به من قِبل المدرسة والمعلم والطالب، أو لضعف إمكانات المدرسة وتدني قدرات المعلم.

قلة هي المدارس التي فعَّلت النشاط المدرسي بصورةٍ جيدة، وهذا يعود لهمّة رائد النشاط وقدراته، ومع هذا فقد استهلك النشاط الكثير من أوقات الطلاب والأُسر وجهودهم، ولا ننكر تحقق بعض الفوائد لكنها لا توازي الوقت المبذول له. ما دفعني للكتابة حول هذا الأمر هو ما ذكره لي الأستاذ علي صالح المنتشري ورغب في طرحه عبر منبر (المدينة)، وهو أحد التربويين الذين مارسوا التدريس والإشراف التربوي وتقاعد أخيرًا؛

فهو يرى أن (النشاط المدرسي) لم تعد له جدوى بالقدر الذي نجده في ما اقترحه هو وسمَّاه (المسارات المهنية)، التي تُعنى بالتدريب العملي للطالب على المهن الحياتية التي يحتاجها سوق العمل، خصوصًا والعالم اليوم مقبل على المهن الحرفية، كالنجارة والحدادة والسباكة والكهرباء (منازل- سيارات) وميكانيكا السيارات وأعمال الديكور والدهانات. ووطننا تزدحم فيه هذه المهن وتكثر فيه الأيدي (غير الوطنية)، التي استحوذت على كل عمل مهني وأصبح أبناؤنا عاطلين يقفون موقف المتفرج الذي لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلاً.

صاحبنا يحشد عددًا من الإيجابيات لفكرة (المسارات المهنية) ومنها: ضمان جودة الكوادر المهنية من أبناء الوطن، والاستغناء عن العمالة الأجنبية بالتدريج، وخلق فرص عمل حقيقية في هذا المجال، ومكافحة التستر، لذا فهو يرى أهمية بالغة لتطبيق (المسارات المهنية) بدءًا من الصف الأول متوسط مرورًا بالمرحلة الثانوية وانتهاء بالمرحلة الجامعية. وعن آلية التطبيق يرى إلغاء حصص (النشاط المدرسي) والبديل مناهج نظرية (للمسار المهني) بواقع حصتين (نظري) أسبوعيًّا في المرحلة المتوسطة، بحيث لا يترتب عليها نجاح أو رسوب، ولكنها تدخل ضمن معدل الطالب، وفي المرحلة الثانوية تكون هناك حصتان (نظري) أسبوعيًّا وساعتان (عملي) للتدريب المهني في الميدان ضمن المنطقة الصناعية الأقرب للطالب بالتعاون بين المدارس والبلديات، ويتم تقييم الطالب من قِبل المعلمين، وليس من قِبل المدربين الذين يتدرب لديهم؛ حتى نضمن حضور الطالب، ويترتب عليها النجاح أو الرسوب. أما في المرحلة الجامعية فيرى دمج الكليات التقنية ضمن التعليم الجامعي على أن يتخصص الطالب في أحد التخصصات التي يرغبها، بحيث يكون لها درجة البكالوريوس، شأنها شأن التخصصات الأكاديمية.

أجدني أميل لهذه الفكرة لأسباب، منها: أن النشاط المدرسي كما يعلم التربويون لم يأتِ بشيء ذي جدوى وفائدة كبيرة، ثم إن تنفيذه في أغلب المدارس لا يتعدَّى تجميع الطلاب وإشغالهم بما يمكن إشغالهم به حتى تنتهي حصة النشاط المقررة، ومن ذلك أيضًا أن رؤية (٢٠٣٠) والتحول الذي يشهده وطننا يصبَّان في هذا الاتجاه المهني، ومنها أن الواقع يثبت أن هناك طابورًا (كبيرًا) من العاطلين بسبب تخصصاتهم التي لا تخدمهم في كثير من المهن المتاحة، ومن ذلك أن معظم المهن يشغلها وافدون والأَولى بها أبناء الوطن، وأن بعض الشباب اضطُروا لبعض المهن الخفيفة التي ليس لها عوائد مالية جيدة، ولو أنهم تدرَّبوا (منذ المتوسطة حتى الجامعة) على المهن ذات العوائد الجيدة وكانت لديهم شهادات مهنية، لرأيناهم في تلك المهن، ومن ذلك أن المستقبل اليوم أصبح للتخصصات المهنية أكثر منه لتخصصات العلوم الإنسانية والنظرية وما شابهها. ثم إن هذا لا يعني أن الطلاب مطلوب منهم أن يصبحوا (جميعهم) مهنيين، لكن ولأن القدرات تتفاوت والتوجهات والرغبات تتباين، فإن التمكين لمن يرغب في المسار المهني يُعد حقًّا واجبًا له؛ حتى إذا ما خرج لميدان الحياة كانت لديه الأدوات والمهارات التي تُمكِّنه من العمل والكسب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store