Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

يوم التأسيس.. يؤكد التاريخ العريق للمملكة

A A
تحتفل المملكة العربية السعودية اليوم، بمناسبة تاريخية متميزة هي: إحياء ذكرى «يوم التأسيس»، الذي صدر به الشهر الماضي مرسوماً ملكياً بتخصيص 22 فبراير من كل عام يوماً للاحتفال به، لتسليط الضوء على الدولة السعودية الأولى التي أسَّسها الإمام محمد بن سعود، -رحمه الله- ، والذي كان يملك من القدرات الإدارية والملكات القيادية ما قلّ أن يوجد في غيره، وهو ما تجلَّى بوضوح في النهضة الكبيرة التي عمّت الدرعية في العام 1727م، حينما كانت بقية الإمارات المحيطة بها تعيش في فقر مدقع، وتعاني صعوبة العيش، وتتفشى الفتن والحروب بين قبائلها، فكانت الدرعية بمثابة واحة للأمن والرخاء، لجأ إليها الباحثون عن الاستقرار والأمان.

وتُحدِّثنا كُتب التاريخ أن ابن سعود، رغم صغر سنه في ذلك الوقت، وانتشار المخاطر ووجود الفرس والأتراك الذين استغلوا حالة الفوضى التي كانت سائدة، فسيطروا على كثير من المناطق، وأخضعوها لحُكمهم، وأذاقوا سكانها العذاب، إلا أنه استطاع تحقيق العديد من النجاحات اللافتة، بعد أن رفع شعار الوحدة، وبدأ بالدرعية التي كان الحكم موزعاً بين مركزيها، فوحّدها تحت راية واحدة، وضمّ المزيد من المناطق لحكمه؛ حتى أصبحت الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف.

لم تكن الوحدة هي الإنجاز الوحيد للإمام، فقد أولى اهتماما كبيرا بنشر العلم وتشجيع العلماء، فظهرت الكثير من المؤلفات والمخطوطات التي لا زالت باقية حتى اليوم، وبرزت كذلك مدرسة جديدة في الخط والنسخ. كما ازدهر الجانب الاقتصادي في عهده، وعادت القوافل التجارية للسير بعد أن توفر الأمن وانتظمت البلاد حالة من الاستقرار انعكست نماءً وتطوراً على حياة المواطنين.

ويتفق المؤرخون على أن الإمام محمد بن سعود، الذي تولى الحكم في ظروف استثنائية، كان رجلاً صاحب رؤية عميقة، ذلك أنه لم يكتف بسياق المدينة الدولة، بل كان تركيزه منصباً في تأسيس دولة وطنية على أرض شبه الجزيرة العربية، رغم التحديات العديدة التي كانت تحيط بالمنطقة بأسرها، لكن الإمام بعقليته الفذة استطاع التغلب على كل تلك الصعاب.

لذلك فإن الاهتمام بهذه الذكرى المحببة للنفوس تُمثِّل إعادة لكتابة التاريخ السعودي، وإضافة فصول جديدة من البطولات والتضحيات التي قدمها أبناء هذا الشعب الكريم؛ في سبيل إنشاء دولتهم، والنجاحات اللافتة التي تحققت. كما تعتبر تقوية للحمة الوطنية وتعزيز انتماء الأجيال الجديدة بوطنهم؛ الذي يجري حبه في عروقهم، والذي لم يظهر للعيان إلا بعد مجاهدات عظيمة وتضحيات جسيمة سطَّرت أروع الملاحم في فصول تاريخ المنطقة برمتها.

ومما يجمع بين يوم التأسيس (22 فبراير) واليوم الوطني (23 سبتمبر) أن كلاهما يُؤرِّخ لأيامٍ تاريخية، ومحطات مفصلية في تاريخ المملكة، قادت لهذا الواقع المزهر الذي ينعم به السعوديون. كذلك فإن كلتا المناسبتين ارتبطتا بشخصية فذة استطاعت تغيير وجه الحياة في شبه الجزيرة العربية، فبينما نهض الإمام محمد بن سعود وأسس دولته في الدرعية، واستطاع جمع شمل القبائل العربية المتفرقة تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، فإن الملك عبدالعزيز آل سعود - غفر الله لكليهما - استطاع تكوين المملكة العربية السعودية بحدودها الحالية، ووحَّد شعبها تحت راية التوحيد. كذلك فإن القواعد والقيم الأساسية التي قام عليها الحكم في الحالتين كانت متشابهة ومتطابقة، وهي مبادئ راسخة وقيم أصيلة، قوامها العدل وأساسها القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الارتباط والتطابق لم يحدث عن طريق الصدفة، بل يؤكد بوضوح أن قادة هذه البلاد ومؤسسيها أدركوا، منذ فترة مبكرة، طبيعة مواطنيهم واتجاهاتهم، وهي الاحتكام إلى شرع الله الكريم. لذلك فإن الثبات على هذا النهج القويم ووضوح الرؤية، هو من أكبر العوامل التي ساعدت على استمرار بقاء الدولة منذ تأسيسها، والارتباط الوثيق بين قيادتها وشعبها، والتلاحم الفريد الذي يميزها عن سائر الدول.

ومن القواسم المشتركة كذلك بين ميلاد الدولة السعودية الأولى والمملكة العربية السعودية تلك الظروف الصعبة التي كانت تحيط بشبه الجزيرة العربية، وحالة انعدام الأمن وتفشي الحروب بين القبائل المتنافرة، وشيوع حالة الفوضى، مما انعكس سلباً - آنذاك - على الأوضاع المعيشية للمواطنين، فعمَّ الفقر وازداد العوز، وسادت الفرقة والتشتت.. فقاد كلا القائدين البلاد إلى الاستقرار والوحدة، لتكون المحصلة النهائية قيام دولة قوية مستقرة. ستمر الأعوام، ويبقى يوم التأسيس ذكرى وطنية وفخرا للمملكة، يستحضر من خلاله الأحفاد تضحيات الآباء والأجداد، وما كابدوه من تحديات، في سبيل بناء وطن يحملونه في حدقات عيونهم، ويُقدِّمون الأرواح فداءً لتقدّمه ونمائه، لتبقى راية التوحيد خفاقة إلى الأبد.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store