Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

الدور الأمريكي في غزو روسيا لأوكرانيا

A A
تمكَّن جو بايدن، الرئيس الأمريكي، من (جر) روسيا إلى مغامرة بأوكرانيا، عبر حملة إعلامية مثيرة - قام بها الدبلوماسيون و(الخبراء) السياسيون وأجهزة الإعلام في كل من أمريكا وأوروبا والعديد من دول العالم - تقول: إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيهجم على أوكرانيا، وعندما كان الكرملين ينفي هذه الروايات، كان الأمريكيون يكشفون عمَّا ادّعوه أنه ساعة الصفر للعدوان الروسي على أوكرانيا، وخطة الحرب التي اعتمدها الرئيس الروسي، مما دفع وزير الخارجية الروسي، لافروف، إلى السخرية من الأمريكيين، وطالبهم بأن يُحدِّدوا له مواعيد الهجوم الروسي. واستهدف الأمريكيون بذلك وضع بوتين في حال تحد مع أمريكا، بحيث إذا لم يُحقِّق التنبؤات الغربية سيعتبر بايدن نفسه منتصراً على الرئيس الروسي، وسيقوم الإعلام بتضخيم ذلك. ولا شك أن الروس كانوا يُخطِّطون لغزو أوكرانيا، إلا أن التوقيت دفعهم إليه الضغط الأمريكي، الذي أراد (بشكل سريع) تحقيق وضع عالمي لا يتطلب استخدام القوة العسكرية الأمريكية، ويتيح للأمريكيين تجربة استخدام الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية بشكل أكثر من السابق، لإعادة روسيا إلى الخط الذي انطلقت فيه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وقبل وصول بوتين إلى السلطة.

أمريكا تعيش حالة انقسام حاد، ولم يتمكَّن بايدن، منذ وصوله للرئاسة، توحيد الأمريكيين، ولم تتح له الفرصة للبروز بمظهر القائد الذي يُؤيِّده الأغلبية في البلاد، وهو مع فريق كبير من الأمريكيين يسعى إلى تأكيد أن أمريكا هي القطب الأوحد في العالم، معلناً أنه لتحقيق ذلك لن يستخدم القوة المسلحة، وإنما الدبلوماسية بأسلحتها المختلفة. ويواجه حزبه انتخابات برلمانية نصفية نهاية هذا العام، تشير استطلاعات الرأي أن أعضاء الحزب الجمهوري، المنافس لحزبه، سيفوزون فيها بنسبةٍ عالية. لذا سيكون من المناسب له حدوث تطورات عالمية تُسلِّط الضوء على إدارته وحزبه في مواجهتهم لهذه التطورات التي يطمعون في أن تُظهر بايدن كقائد قوي وقدير في إدارة البلاد، وتُخفِّف من الصورة السيئة التي خرج بها من طريقة إدارته للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، واستهانة الإيرانيين به وإدارته خلال محادثات فيينا الرسمية، والمفاوضات حولها التي تدور في الكواليس، ويأملون عبر النجاح في إدارة أزمة أوكرانيا من أن يتمكن عدد أكبر من مرشحي الحزب الديموقراطي الفوز في الانتخابات النيابية نهاية هذا العام.

مغامرة أوكرانيا خطيرة بالنسبة لروسيا، وكذلك أمريكا، وضحاياها هم الأوكرانيون، وكذلك باقي الأوروبيين، وهي ستمتد لبعض الوقت، وتدخل فيها مناورات، وربما صفقات، قد لا تكون أوكرانيا طرفاً فيها. وروسيا ليست بالخصم الضعيف في مواجهة أمريكا. لكن الأزمة الحالية تُعبِّر عن رغبة أمريكية في تقليص التأثير الروسي على أحداث العالم، واعتراف موسكو بزعامة أمريكا. وتستهدف توجيه رسائل إلى الصين عمَّا يمكن أن تُواجهه إذا لم تقبل بحلولٍ وسطية تكون فيها أمريكا هي القطب العالمي الوحيد. بينما يسعى بوتين إلى قيام الاتحاد الروسي باستعادة مجد الاتحاد السوفيتي الذي سقط على أيدي أمريكا وأوروبا، وأدى إلى التحاق دول كانت تعيش في أوروبا الشرقية تحت مظلة السوفييت إلى الغرب تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، ودخل بعضها في حلف الناتو الذي كان أيام السوفييت منافساً لحلف وارسو الذي أنشأه الكرملين حينها لمواجهة حلف الناتو.

استمرار الأزمة الأوكرانية سيؤدي لامتداد تداعياتها إلى باقي العالم. وسيكون من الصعب على إسرائيل في الشرق الأوسط مثلاً اتخاذ موقف إلى جانب أي طرف، نظراً لحاجتها لبقاء العلاقات الجيدة الحالية فيما بين الطيران الإسرائيلي - الذي يقصف سوريا والإيرانيين بين الحين والآخر - والقوات الروسية في سوريا. وستجد دول الشرق الأوسط نفسها في وضع صعب للاختيار بين الطرفين، إذ إن معظمها لن يؤيد هجوم روسيا على أوكرانيا، مما يُذكِّر باحتلال صدام حسين للكويت، ولكنهم يُعانون من عدم مصداقية أمريكا الليبرالية في الوقوف إلى جانبهم عندما يتعرضون للعدوان. ما يجري الآن هو بداية لمرحلة جديدة في تاريخ العالم، وعلى دول العالم الثالث قراءة ما يجري وسيجري بتمعُّن، والإعداد لمواجهة التطورات القادمة بحكمة، وعدم الاستهتار بمستقبلها، والاستخفاف بما يُؤثِّره كل ذلك على مجريات الداخل في كل منها.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store