Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

أدونيس.. حين يتناقض مع التنوير!

A A
يُعد الشاعر علي أحمد سعيد -المعروف شُهرةً بـ(أدونيس)- أحد رموز الحداثة العربية الذين لهم أسلوبهم التجديدي في الشعر العربي، ويعد أحد الأسماء التي أحدثت حراكًا في الفكر العربي؛ بدعواته المتكررة لتجاوز التراث العربي الإسلامي الذي يراه استحكم على العقلية العربية. أدونيس -كغيره- له أفكاره التي لا يمكن مصادرتها بالكلية ولا قبولها برمتها، وهو كغيره أيضًا له تناقضاته مع قِيم التنوير، مع أنه ينتظم في طابور (التنويريين) الذين يؤمنون بالرأي الآخر؛ ويجعلون العقل أَمامَهم وإِمامَهم. مناسبة الحديث عن تناقضات أدونيس مع التنوير هو الحوار الذي أجراه معه -الأسبوع الماضي- «علي مكي» في صحيفة عكاظ، وقد تبدَّى جليًّا كَم (التناقضات) في إجابات أدونيس بين ما يدعو إليه في محيطه القريب، وما يحث عليه ويعتقده مع المحيط الأبعد. أدونيس بوصفهِ مثقفًا تنويريًّا، فهذا يتطلب منه قَدرًا من الانعتاق من العادات والتراث والماضي ومن اشتراطات الأنظمة السلطوية وقيودها، وهذا يُعد من أبجديات قِيم التنوير، ولذلك نراه في لقائه هذا يتهم المؤسسة الثقافية -التي هي جزء من النظام السلطوي- بأنها لاتزال «سائدةً ومُهَيمِنة، وهي التي تَحول حتَّى الآن دون أن يصبح الإبداعُ بعدًا تكوينيًّا من أبعاد الحياة العربيَّة»، وعند الحديث عن الحرية في الوطن العربي يتساءل باستغراب: «هل هي موجودة عند العرب؟»، ليجيب إجابة ماكرة بقوله: «الجميع يعرفون الجواب، ويعيشونه، والمُشكِلةُ الكُبرى هي أنَّهم لا يعملون للخلاص منها، بل إنَّ معظمَهم يحارب العاملين!». على هذا فأدونيس يُعدُّ بهذه الإجابات وفيًّا مع قيم التنوير، حينما ينتقد المؤسسة الثقافية وينتقد الحال المزرية للحريات العربية، لكن الأمر الذي يجعل من هذا الوفاء مع قيم التنوير (مجرد كلام للاستهلاك)، هو موقف أدونيس في محيطه الداخلي مع المؤسسة السلطوية التي ينحاز لها؛ فنراه قد تحول إلى حلقة في ترسها، ولا أظنه يجرؤ على مطالبتها بنزع يدها عن المؤسسة الثقافية في محيطه الداخلي، ولا إلى مطالبتها بتوفير فسحة من الحرية المنشودة؛ فالجميع يعرف موقفه من الحرية واتجاهاتها، خاصة في محيطه الداخلي، وموقفه هذا يتضاد مع قيم التنوير الداعية للحرية وعدم سلب إرادة الشعوب. أقول هذا بناءً على أنه يُصنف نفسه تنويريًّا يؤمن بالرأي والحرية، التي يرى نفسه أحد عمالها، ويرى أنه محارَب بسببها، كما ذكر في حديثه الذي أوردتُه آنفًا. مسألة أخرى في حوار «مكي» مع «أدونيس»، وهي (نظرية المؤامرة) التي قسمت العرب والمسلمين إلى قسمين؛ قسم يرى أن ما يتعرضون له من نكبات ومآسٍ وتأخُّر هي -في جزء منها- مؤامرة غربية ليبقى العرب والمسلمون في الصفوف الخلفية للحضارة والرقي، ومن يذهب هذا المذهب هم في العادة (المحافظون)، وقسم يرى أن نظرية المؤامرة ما هي إلا أوهام وأعذار صنعها المحافظون لتبرير تأخُّرهم وصراعاتهم الداخلية، ومن يذهب هذا المذهب هم في العادة من يُسمّون أنفسهم بـ(التنويريين)، وعطفًا على أدونيس بوصفه تنويريًّا، فإن المتوقع منه أن يكون موقفه رافضًا لنظرية المؤامرة، غربيةً كانت أو شرقية، لكننا نجده في لقاءاته وأحاديثه -ومنها لقاؤه هذا- يؤمن بنظرية المؤامرة ويؤكد على حقيقتها، فيقول «فهذا الغربُ (الصَّديق) ليس في الواقع إلاَّ أوركسترا تدميريَّة للعالم الإسلاميِّ- العربيِّ.»، بل يؤكد أن العالم العربي والإسلامي يبدو في نظر الأطماع الغربية «كأنَّه مجرَّدُ فضاءٍ استراتيجيٍّ مفتوح لثكنةٍ بلا حدود للهَيمَنة الغربيَّة، وأهوائها، وعِدائها للإنسانِ، سيادةً، وحقوقًا وحريَّات»، وهذا القول ربما لم يقل به أكثر المحافظين، فكيف يقول به مثقف تنويري؟!.
تناقضات أدونيس مع قيم التنوير -الذي يتزيا به- كثيرة، وهذا ربما لا يُستغرب منه؛ خصوصًا وهو الذي حذا حذو الفينيقيين الذين جعلوا للنبات والخصب إلهًا وسمَّوه (أدونيس)؛ فنراه يصطفي هذا المُسمَّى (أدونيس) اسمًا له، وينبذ اسمه الحقيقي العربي في مفارقة عجيبة ومضحكة بين دعوته لإعمال العقل، (الطارح للخرافات والأباطيل)، والإعلاء من شأنه تحت شعار (التنوير)، وبين تصديقه بخرافة إله النبات والخصب والتسمِّي به. وفي هذه السلسلة من التناقضات الأدونيسية المتكاثرة صورة ناصعة لحال بعض المنتسبين للتنوير حين ينقلبون على قيمه ومنطلقاته.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store