Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

الأسلحة الصلبة والناعمة في الأزمة الأوكرانية

A A
عند الحديث عن الصراع بين روسيا والغرب في أوكرانيا، يُلاحَظ أن معظم تحليلات المتخصصين تتركز على الجوانب «الصلبة» لتلك المواجهة، والمتمثلة في القرارات والأنشطة العسكرية على الأرض، أو في سلاح الاقتصاد لدى الطرفين ممثلاً في الغاز الروسي والعقوبات الاقتصادية والمالية الغربية.. يضاف إلى ذلك بالتأكيد أنشطة الدبلوماسية التقليدية، ثنائية كانت أو في أروقة المنظمات الدولية المختلفة.

من ناحية أخرى، نجد أن قليلاً من الانتباه يتم إيلاؤه لفهم وتقييم الدور الهام لأنشطة الدبلوماسية العامة للمعسكرين، وهي أنشطة بدأها فعلياً الطرفان قبل اندلاع الأزمة بفترة زمنية سبقت بكثير انطلاق الرصاصة الأولى في الصراع، وتكمن أهميتها في كونها تتعلق بالرأي العام الذي يُمثِّل دعامة أساسية يسعى كل طرف لكسبها بنفس القدر الذي يسعى فيه لكسب المعركة على الأرض، وهي قوة وصفها «سايمون آنهولت» مؤسس مؤشر «الدول الجيدة» بقوله: «الرأي العام هو القوة العظمى الحقيقية والوحيدة المتبقية في العالم اليوم».. وبهذا الشأن، هناك قاعدة هامة في إدارة الأزمات، مفادها أن أول شيء يتبادر لأذهان الناس عند حدوث الأزمات هو الصورة الذهنية عن طرف أو أطراف الأزمة، والتي ارتسمت لديهم خلال فترة زمنية طويلة، وساهم في تكوينها عوامل عديدة أهمها تأثير وسائل الإعلام المختلفة.

وفي الأزمة الأوكرانية الحالية يسعى طرفا الصراع لكسب الرأي العام، على جبهتين أساسيتين مترابطتين، هما: جبهة الإعلام، وجبهة أنشطة الدعم السياسي:

فعلى الجانب الإعلامي، ورغم التفوق الكبير لإعلام الغرب، إلا أنه نافس الإعلام الروسي في لجوئه لأسلوب الدعاية propaganda المتسم بالتناقضات؛ ولي عنق الحقائق وازدواجية المعايير، والتي لم تخلُ منها التصريحات الحكومية والإعلام الخاص.. ومثال ذلك تداول المغردون على تويتر بسخرية لصور غلافين لمجلة الإيكونوميست، الأول بعد غزو الرئيس بوش للعراق، وحمل عنوان يقول: (الآن، انطلاق السلام)، في حين حمل الغلاف الآخر الصادر حديثاً، صورة مخيفة للرئيس بوتين وعبارة تقول: (أين سيتوقف؟).

وإعلامياً أيضاً، تصدَّت وزارة الخارجية الأمريكية عبر موقعها الإلكتروني للدعاية الروسية بصفحة عنوانها: (الحقيقة مقابل الخيال: المعلومات الروسية الكاذبة حول أوكرانيا)، تضمَّنت كثيراً من الحقائق، دون أن تخلو نفسها من بعض المغالطات.

وبالنسبة لأنشطة الدعم السياسي advocacy activities فهي أحد أهم أدوات الدبلوماسية العامة، وتتمثل في الأنشطة الإعلامية لسفراء وسفارات طرفي النزاع، إضافة لخطابات رؤساء الدول أنفسهم والهادفة لكسب تعاطف الرأي العام داخلياً وخارجياً، فمثلاً حمل خطاب الرئيس بوتين رسائل عديدة تتضمَّن مزاعم شرعية إجراءات بلاده، والتشكيك في نوايا الغرب، مستشهداً بتاريخهم وممارساتهم المدمرة لدول عديدة، مثل العراق وليبيا وسوريا، ومشيراً لما يجري بأنه تهديد وجودي لبلاده.. مُلوِّحًا بقدراته العسكرية المتطورة، وبشكل مقلق، النووية أيضاً.

في أوكرانيا.. حضرت القوة «الصلبة» و»البروباغاندا»، وغابت القوة «الذكية»!.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store